لو أن ابن الأثير بعث من مرقده وطيف به في تلك المدائن التي أصبح الإسلام فيها غريباً وهي ديارة وواحش فيها وهي حرمه وذماره، وأخذ فيها بالسيف يمنة والنار يسرة ثم أريد على وصف ما رأى لآثر أن يقصف قلمه على أن يعيد نعي الإسلام للمسلمين.
ولو أنه جال في تلك المواطن التي أمست بعد نضرة النعيم رسماً محيلاً ووقف غبها يكلم أحجارها فتكلمه، ويسئل عن ملاعبها ماذا دهاها فتعلمه، وأبصر هناك بالعدو وهو يجعل آلافاً من المسلمين بين شقي الرحى ثم يديرها طاحنة ويغلف الآلاف منهم على ما في أيديهم ويجلي من طالت لشقوتهم آجالهم عن بلاد من تربتها نبتوا وفي ظلها رتعوا وبخيرها نعموا، وسئل بعدئذ أن يقضي حق التاريخ بكلمة لما زاد على أن ينعي المسلمين للإسلام.
ولو أنه علم ما يجترحه البلقانيون هنالك من المآثم وأبصر كيف يقتحمون خدور المسلمات بغياً، ويغتصبون عفافهن بغياً، ويرتعون في أعراضهن إزاء آبائهن وأزواجهن بغياً، وعلم كيف يبقرون بطون الأصبية الصغار في حجور آبائهم وكيف يعذبون أولئك ويمثلون بهم، وطلب منه أن يقول لاستحب البكم على البيان.
ولو اطلع على تلك المساجد التي عبث العدو بمحاريبها ومحاآليها وأتلف منابرها وحول قبلتها عن موضعها وهدم مآذنها وأحالها كنائس تغص بالقساوسة والرهابين ويسمع فيها الناقوس ولم يكن يسمع بها إلا التأذين، وخي بين يقول فيما شهدوا أن يذهب به وبين سمع الأرض وبصرها لآثر على الثانية الأولى.
من ذا الذي يطاوعه قلمه على وصف مشهد الآلاف من المسلمين والسيف يحصد رقابهم، ويفري إهابهم، والعدو يجوس خلال ديارهم عابثاً بأعراضهم ما أردا له حوله وطوله مذبحاً أطفالهم مستبيحاً عفاف بناتهم واطئاً بسنابك خيله مساجدهم محيلاً إياها على وجهتها؟
إنا لنجيل الفكر في أنباء تلك المآتم التي يرتكبها البلقانيون فنقرأ فيها خاتمة تاريخ الإسلام في الأندلس والتاريخ يعيد ذاته وما أشبه اليوم بالأمس فقد كان الكاستليون يرهقون المسلمين في بلادهم يذيقونهم النكال ضروباً مستعينين في ذلك بمحكمة التفتيش إذ كان كل مسيحي منهم قاضياً وكل مسلم مقضياً عليه بالموت إلا أن يهاجر ملته أو يهاجر بلاده إن