للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استطاع إلى هجرها سبيلا.

كانوا يعذبون المسلمين ويستحلون فيهم المحرم، ويستبيحون من عروضهم وأداتهم ومتاعهم وبيوتهم ما أرادوا ولا معقب لحكمهم، ولا أمر إلا أمرهم، ولا يد فوق يدهم، وقد صمت الإسماع عن صوت المسلمين فلا يسمع لهم شكاة وربما من عليهم بأنه المحزون.

أرادوا أن يفنوا المسلمين حتى لا يكون ثمت إلا جلدهم وملتهم وحدهما فاعملوا السيف فيهم بكل سبيل غير متقين لائمة من التاريخ، ولا غضبة من الأرض، ولا لعنة من السماء.

وقام البلقانيون في هذا الزمن النكد يمثلون تلك المأساة بعينها، ويفعلون بالمسلمين في بلادهم ما فعله أخوانهم بأخوانهم وأوربا جاثمة ساهية الطرف لا تحرك ساكناً وكأنها تطرب لما يصيب أولئك الذين تعذب الإنسانية في ذواتهم، وتكاد تميد الأرض جزعاً لما أصابهم في دينهم ووطنهم وحياتهم وأن مصابهم لكبير.

فهل أتى المسلمين حديث أخوانهم الذين أسرف العدو في تعذيبهم ومثل بهم لا وحاربهم في الدين، وهم أهل سلم ضعاف، لا حيلة لهم ولا حول.

هل أتاهم حديث أوصال هناك تمزق، واسلاء تفرق، ودماء على الثرى تتدفق، وهل انتهى إليه نبأ ذلك المأتم الذي لا انفضاض له أبد الدهر.

هل أتاهم أن أفخم المساجد في سالونيك قد بدلت معالمها وحولت عن وجهتها، فأصبح (مسجد إسماعيل) وهو كنيسة سنت كاترين (والمسجد ذو المنارتين) وهو كنيسة سنت ميشسل (ومسجد السلطان مراد) وهو كنيسة سنت داود وهل علموا أنه لم يعد لمن بقي من المسلمين في كل بلد فتحه أولئك الفجرة الطغام جامع يقيمون فيه الصلاة.

إلا أن تلك المساجد التي مسخوها، لتذكر أن عهد الحنيفية في تلك البلاد عهد وفق وسماحة ولين، وأنه أكرم على الله وخير أثر من عهدها الجديد.

فهل يذكر المسلمون الذين عرفوا ما ابتلي بهم أخوانهم، وكفوا ما نزل بهم، وأمنوا أن يراعوا بمثل مصابهم، أنه لا عاصم لهم من مثل ذلك المصير ولن يكونوا منه بمأمن، إلا أن يغيروا ما بأنفسهم ويردوها إلى ما حثهم عليه قرآنهم المبين من الاعتبار بالسنن الكونية، والاستكثار من أسباب القوة، وطلب العلا والسمو إلى تلك المكانة التي بلغوها حين كانوا أمة واحدة مجتمعة على هوى واحد؟

<<  <  ج: ص:  >  >>