ما اعتصمت أمة بدينها وحافظت على أوامره، وانتهت عن زواجره وتعصبت لأخلاقها الدينية، وآدابها الاجتماعية، وعادتها القومية، إلا كتب الله لها النصر والفلج، والحياة الطيبة، وعزّ الاستقلال، وسعادة المآل. وما تركت أمة سلوك هذا المنهج الأقوم، والصراط الأعدل، فتهاونت بدينها وأمراه ونواهيه، ونبذت أخلاقها وآدابها ظهرياً، إلا استخف بها الأغيار، وطمع بها الأعداء، وكتب الله عليها ذل الاستعباد، وشر الاستبدْاد وفقد الاستقلال وانحلال الروابط، والموت الأدبي الأبدي، وما أبطنت لأمة شراً واردات محو استقلالها وإدماجها تحت سلطتها إلا حببت لها الانسلاخ عن عوائدها ونبذ أخلاقها واتباع الهوى وزينت لها من الأخلاق والعادات ما لا يلتئم مع شرف دينها وآدابه الاجتماعية وأعدت من الزخارف والبهرجة ما تروج به تلك السلعة على السذج وضعاف الأحلام وتستعين على ذلك بمن ترى في طبعه استعداداً لمقاومة الخير ومعاضدة الشر وتسلطه على ناشئة الأمة والسذج منها ليعيث في أخلاقها فساداً، وليحسن لها ما اعتاده من المفاسد باسم المدنية ولا تزال تستفيد منهم أعواناً وتزجهم في مجتمع الأمة لبذر بذور الشقاق والفساد حتى يتسنى لها الغلب والظفر؛ ويصبح صوت الحق ضائعاً في وسط هذا المعترك. هذه القاعدة جرى عليها دول الاستعمار منذ خطر لهم الاستيلاء على دول الشرق وبالأخص الدول الإسلامية منها.
علموا أن الاستيلاء على الشرق ليس بالأمر السهل إذا قصد من وجهة المقاومة وأن سلب الشعوب سلطتها واستقلالها وأخلاقها وثروتها قد لا تفيد فيه القوة مهما عظمت إلا بمئات من السنين وملايين من الليرات وربما حصلت النتيجة على عكس المطلوب فيما إذا كان الاعتماد على القوة بأن تتحد دول الشرق يداً واحدة على دفع هذا الخطر المهاجم فصمموا على الاستيلاء عليه بالطرق السلمية فعمدوا إلى العلم الذي هو ضالة جميع الشعوب على اختلاف منازعها وأميالها فتستروا بإرادته وحب تعميمه في جميع ما يطمح إليه نظرهم وترمي إليه أفكارهم من الاستيلاء على ممالك الشرق وسلبها استقلالها واستنزاف ثروتها فأنشئوا مدارسهم في البلاد الإسلامية بحجة نشر أنوار العلم وتمدين الشعوب الشرقية خدمة للإنسانية وما خدموا في الحقيقة إلا مبادئهم ومطامعهم وجشعهم للاستعمار.
تدعي دول أوروبا أو دول الغرب أن الشرق وصل إلى أقصى حالة في الهمجية والنهم فهم