إذا ثبت أن جميع الكائنات مفتقرة إلى موجد أوجدها. وصانع دبرها وحكيم رتبها وذلك الموجد هو الله سبحانه المستجمع لصفات الكمال وجب أن يكون قديماً لاستلزام وجوب وجوده وجوب القدم. والقدم عبارة عن سلب العدم السابق على الوجود. فلو لم يكن قديماً لكان حادثاً، فيكون وجوده مسبوقاً بعدم. وهو ينافي وجوب الوجود. ومن القواعد المقررة كل قضية بديهية فلوازمها البنية بديهية أيضاً. والقدم لازم بين لثبوت الوجود الذاتي. إذ كلما تصور القدم والوجود الواجب جزم العقل باللزوم بينهما.
٣ البقاء
هو عبارة عن سلب العدم اللحق. فما وجب قدمه. استحال عدمه ويؤيد ذلك البلهان النقلي قال تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) وورد من حديث طويل أخرجه الإمام مسلم والتلمذي أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الأخر فليس بعدك شيء. وفي البهيقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد (الأكل شيء ما خلا الله باطل) أي فإن مضمحل.
٤ و٥ المخالفة للحوادث والقيام بنفسه
هاتان الصفتان لازمتان لصفتين القدم والبقاء وكلها ٢ صفات سلبية دالة على التنزيه. إذ مفهوم كل صفة منها سلب أمر لا يليق به جل وعز. فيجب على الإنسان أن ينزهه سبحانه عن مشابهة الخلق وأن يتبرأ من كل ما يجيش بصدره من الميل إلى تكييفه وتصوريه. وأن يسد نافذة الخيال في مجال التفكر في ذاته تعالى وأن يعتقد انهم الحي القيوم اللطيف الخبير (ليس كمثله شيء) لا يحد بحد ولا يصور بصورة ذهنية. إذ هو تعالى أكبر من أن يحيط الوهم بسرادقات كماله وأعلى من أن يصعد التصور إلى معارج مجده وعلائه. قال علي رضي الله عنه هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته. وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات عيوب ملكوته. وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته. وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم