طالما تشوفت النفوس لأن تكون التربية في مدارسنا تربية دينية محضة لا تشوبها شوائب التفرنج ولا تخالطها منكرات البدع والأهواء مدارسنا الأميرية والأهلية والدينية والصناعية لا تعنى بالتربية الدينية العناية التامة وبعبارة ثانية لا تدقق النظر في تطبيق حركات المتعلم على الشريعة الغراء. فعلى من بيده أمر شيء من هذه المدارس أن يتدارك هذا الأمر ويصلح هذا الخلل الطارئ من قبل أن يجل الخطب ويسود فساد الأخلاق.
الخوض في مثل هذا المبحث العظيم قد لا يرضى عنه بعض الناس لأنهم يتعامون عن فوائد الدين ويعدون الدعوة إليه تفريقاً لا تجميعاً وإفساداً لا إصلاحاً ولا غرو فإن من كان مصاحباً لدهري أو تلميذاً لطبيعي يضطر أن لا يذعن لدين ولا يخنع لسلطة ولو عقل ما هو الدين وعلم أن التربية إذا كانت على وفق مع ما أبانته الشريعة الطاهرة تبعث في الإنسان الغيرة والحمية وتجعله محباً لوطنه ودولته ولغته وأمته لتاب من ذنبه ولرجع إلى ربه.
أنبث أفراد هذه الشرذمة من الناس وعم بلاؤهم وجهلوا أن تربية الطفل تربية دينية تبعث في قلبه الخوف من عذاب الله الدائم وتحيي فيه ذلك الصوت الطاهر (الضمير) فتحسن معاملته وتصفو مودته ويدع النفاق والرياء ويحب الخير لمواطنيه ويكون مصلحاً كبيراً.
أشرف ما يسعى إليه العقلاء هو تهذيب الإنسان تهذيباً حقيقياً يعرف به ما يجب له وما يجب عليه. ولا يتأتى هذا إلا من قبل الدين وجهة الاعتقاد بهذه الوجهة الدينية يتمكن المسلم أن يعامل مخلوقات الله جميعاً بالحسنى ويعطي كل ذي حق حقه فيحفظ عرض الذمي وماله ويمتنع من سبه وغشه وغدره والحقد عليه. ويعامل جميع الناس معاملة مرتبطة بتلك الرابطة العظيمة رابطة (لهم مالنا وعليهم ما علينا) إذا فالتربية على هذه الشاكلة هي الدواء الناجع لهذه الأمة والصراط المستقيم الذي إن زحزحت عنه إلى غيره سقطت لا قدر الله إلى حيث لا يتسنى لها منه الخلاص. قال حكيم شرقي ما مؤداه: باعث الدين أقوى البواعث وعامله أقوى العوامل، ومن حسب أن هناك ما يعادله من تلك الكلمات الحديثة مثل وطن وجدان. . وازع أدبي. . مصالح عامة. . فقد ضل الطريق القويم.