لا أعجب ولا أستغرب من جاهل يتعالم أو أحمق يتعاقل لأن الفطرة في ذاتها توحي للجاهل بفضل العلم وللأحمق بفضيلة العقل والنفس خلقت جالبة ما ليس لها حريصة على التحلي بغير حليها (هم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله) لكن أتعجب من عالم لا خلاف في عالميته وفضله يتجاهل في محاولة إثبات محال ممتنع. يا أستاذ ليس هذا الدين من الأديان المنوط تبديلها وتغييرها بعلمائها وأمرائها وذوي الحل والعقد منها ولا يستطيع أحد أن يجعل محكماً من نصوصه متشابهاً ولا ناسخاً ولا منسوخاً ولا منسوخاً ناسخاً إلا (الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) وأعيذك بالله أن تكون منهم إثبات الإفطار والصيام من مسائل الدين المستندة إلى الصول الشرعية فدع ما قال وقالوا وانبذ ما سوى قول الله وقول رسوله ثقال الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) الحديث.
فأنت ترى أن الله تعالى قال (حتى يتبين لكم) فكيف يصح لنا اعتماد ما تبين لغيرنا ولم يتبين لنا والرسول عليه الصلاة والسلام قال (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) فأنى لنا أن نصوم ونفطر لرؤية غيرنا سيما في قطر يخالف مطلعه قطرنا.
لا يرتاب ذو مسكة من العلم أن الذين أمروا بهذا الأمر كانوا عالمين باختلاف المطالع وفهموا معنى هذا القيد ولذا لم يسالوا عنه على عادتهم الاستفهام عن كل ما يشكل عليهم حتى الكلمة الواحدة.
كنت قدمت لكم أمثلة عن اختلاف المطالع في الطول لكن هذا الاختلاف ليس منحصراً في الطول فقط بل هو موجود في العرض أيضاً وكما أن الفرق في الطول يعرف من تقسيم ٢٤ ساعة على درجة ٣٦٠ ففي العرض كذلك مثلاً أن الفرق في العرض بين دمشق والمدينة المنور ٩ درجات و١٠ دقائق فاضربهن بأربع دقائق الخاصة كل درجة تجد الفرق بين المطلعين تماماً فالآن في ١٥ كانون الثاني طلعت الشمس في المدينة في الساعة الواحدة وبعض دقائق في حين أنها تطلع في دمشق في الساعة الواحدة وبضع وثلاثين دقيقة فإذا كان هذا الدليل العلمي والحسي معاً ظاهراً كالشمس في اختلاف دون عشر