من غريب ما يشاهد في هذه الحاضرة أنه إذا وقع بها حادث سواء كان جليلاً أو حقيراً اشترك في البحث فيه الخاصة والعامة فلا يستحي الجاهل من أن يبدي رأياً فيمن ينبغي أن يكون والياً للولاية ولا الأمي فيمن يكون نائباً في مجلس الأمة، وإن كانوا لا يفقهون من الصفات الواجب وجودها شيئاً ليعلموا إن كانت توجد فيمن وقع اختيارهم عليه أم لا.
ذلك أمر كاد يكون عاماً في الطبقة الوسطى من الناس كما أنه فشا في الطبقة العليا أن يكون الانتخاب على طبق الهوى لا على ميزان المصلحة ينتخب أحدهم زيداً لكونه من اصدقائه والثاني عمراً لأنه من أقاربه وكلا المنتخبين (بكسر الخاء) لولا الصداقة ما وقع اختيارهما على زيد وعمرو، بل كانا يتفقان على اختيار الأفضل، واصطفاء الأمثل ومن اجتمعت فيه الشروط اللازمة لمن يتولى منصباً مثل منصبه. ومنهم من لا ينتخب إلا من يشترط عليه أن يعمل بإشارته وحسب أمياله وضرر هذا القسم أعظم وكلمته إلى القبول أقرب.
يتجلى ذلك ما ذكر بأجلى مظاهره في حالتنا الحاضرة اليوم حيث ينتخبون مفتياً للحاضرة بدلاً من فضيلة سليل العلم والفضل سليمان أفندي الجوخدار فترى كثيراً ممن رشحوا أنفسهم لهذا المنصب الجليل وشهد لهم باللياقة عدد لا يستهان به من الخاصة والعامة مع أنهم خلو من كل ما يؤهل للجلوس على منصة الأحكام الشريعة وما الحامل للشاهدين إلا ما اسلفنا بيانه مجاملة من الخاصة وتضحية للمصلحة العمومية في سبيل المصلحة الذاتية وجهل من العامة بقدر المناصب والصفات المؤهلة له وتهاون من الطرفين بوعيد شاهد الزور.
سألنا نفراً ممن يبحثون في خلف المفتي عمن وقع اختيارهم عليه فرأيناهم على اختلاف في الأشخاص المرشحين، وعلى شبه وفاق في الصفات اللازمة لمن يرشحون، فهم يريدونه لطيفاً مجاملاً للطبقة العالية متقناً للغة التركية، ويريدونه جسوراً ليناضل في مجلس إدارة الولاية عن حقوقهم.
يذكرون تلك الصفات الكمالية وينسون الصفات الحقيقية التي لا يكون المفتي مفتياً إلا بها (ألا وهي العلم والأمانة) فالمفتي ممثل للشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم في أحد وظائفه وعلى فتواه يعتمد الحكام والقضاة في المخاصمات والحدود وغير ذلك وهو وحده المسؤول