لا يرتاب أحد في أن الكتابة من أرف الصنائع وأسماها قدراً وأعظمها منفعة وأتمها فائدة إذ بها جمعت العلوم ودونت الأحكام وقيدت الحكمة وضبطت أخبار الأولين ووقائعهم ولولا الكتابة ما انتظمت شؤون العلوم ولا اتسعت دائرة المعارف والفنون الكتابة حافظة على الإنسان حاجته ومقيدة لها عن النسيان ومبلغة ضمائر النفس إلى البعيد الغائب ومخلدة نتائج الأفكار والعلوم في الصحف ورافعة رتب الوجود للمعالي فهي القطب الذي يدور عليه نظام الاجتماع البشري والأس الذي ترتكز عليه دعائم مصالحه وكفى الكتابة شرفاً أن الله تعالى أقسم بالقلم وما سطر به وأمتن على الإنسان بتعليمه الكتابة فقال سبحانه (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) وقد تقرر لدى العمران أن الكتابة أشرف وأنفع من النطق لأن ما تثبته الأقلام باق مع بقايا الأيام وما ينطق به اللسان تدرسه السنون والأعوام مدعين أن قوام الذين والدنيا بسيئين السيف والقلم لكن رتبة السيف تحت رتبة القلم قال الشاعر:
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... إن السيوف لها مذ أرهفت خدم
كانت كتابات الأمم كما في ابن خلدون اثنتي عشر كتابة وهي الفارسية والحميرية والعربية واليونانية والسريانية والعبرانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية وقد انقرض بعض هذه اللغات بانقراض من يتكلم بها.
أول من خط بالعربي مر أمر ابن مرة وكان يسكن الأنبار ومن الأنبار انتشرت الكتابة في العرب والذي نقل الكتابة من الأنبار إلى الحجاز حرب بن أمية جد الملوك الأموية إلا ن الخط العربي لأول الإسلام كان غير بالغ إلى الغاية من الأحكام والاتقان والإجادة ولا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة وبعدهم عن الصنائع قال ابن خلدون واعلم أن الخط ليس بكمال في حقهم إذ الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية والكمال في الصنايع إضافي وليس بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذات في الدين ولا في الخلال وإنما يعود على أسباب المعاش وبحسب العمران والتعاون عليه لأجل دلالته على مافي النفوس إلى أن قال ثم لما جاء الملك للعرب وفتحوا الأمصار وملوا الممالك ونزلوا البصرة والكوفة واحتاجت الدولة إلى الكتابة استعملوا الخط وطلبوا صناعته وتعلمه وتداولوه فترقت الإجادة فيه واستحكم وبلغ في الكوفة والبصرة رتبة من الإتقان.
وذكر المؤرخون أن تحسين الخط العربي في الإسلام كان في زمن بني أمية وكان أول