قلنا ولا نزال نقول أن أوروبا لا تريد بالدولة العثمانية خيراً وبالأحرى لا تريد بالمسلمين خيراً فهي لا تفتأ تخلق لهم المشاكل وتضع أمام رقيها ورقيهم المصاعب وما زالت تعمل في السر والعلن على تفريق كلمتهم وتوهين علائقهم وتمزيق جامعتهم وتحول دون كل ما يدعو إلى جمع لكمتهم واتحاد أفكارهم وغاياتهم وقد اتخذت من الوسائل المقتضبة لتفرقهم مالا يحصى وفي مقدمتها تلك المدارس الأجنبية التي تنزعه من قلوب مريديها حب الدين وتعمل على بث روح التفرنج علماً منها بأن المسلمين بحكم دينهم مأمورون بالاجتماع والاتفاق وأنهم ماداموا متمسكين بدينهم عاملين بأوامره لا يسهل تذليلهم واستئصال ممالكهم لذلك كان من أقوى البواعث لزوال هيبة الدين من النفوس تلك المدارس التي أسست على مبادئ الإلحاد والتنفير من الأديان وقد ظهر من فساد تلك المدارس وإفسادها ما نراه في أخلاق كثير من ناشئتنا الجديدة من بغض العلم وأهله، والدين ورجاله، والنفور من كل من يدعو إلى عمل خير وير إن لم يوافق ما اعتادوا عليه من المبادئ السافلة والأفكار السقيمة حتى صار يعتقد كثير منهم أن الدين عقبة في سبيل رقينا وأنا ما دمنا متمسكين بمبادئه أو متعصبين له (كما يقولون) لم نزدد مع تمادي الأيام إلا انحطاطاً ومع كرور الأزمان إلا تأخراً شاعت تلك الفكرة وذاعت وكثر أنصارها والعامل الأكبر على ذلك تلك الفئة التي استقت معارفها من مناهل أوروبا واغتذت بلبان أفكارهم ومعتقدات وراق لديها ما يتظاهرون به من العدالة وخفي عنها ما يضمرون من العداء لكل من خالفهم وما يتحينون من الفرص لسحق ممالك الإسلام بجميع الطرق السلمية والحربية وانتزعت منهم بفضل ما بثت في تلك المدارس حب الدين حتى صاروا لا يغارون على حرمته أن تنتهك ولا على سمعته أن تشوه ولا على حامليه أن يذلوا ولا على أحكامه أن تبدل وهم في ذلك لا يرون سبة ما داموا يعتقدون أن الأديان عقبة في سبيل الرقي إذا لم يراع تغييرها وتبديلها على حسب الأزمنة والأحوال والسياسة على حسب ما لقنهم أساتذتهم المستعمرون ومن العوامل الكبيرة على شيوع تلك الفكرة السقيمة السابقة الجعل بأحكام الدين ودقائق أسراره فقد غفل المسلمون تعلم دينهم إغفالاً يعد قريباً من الإهمال بالكلية فلا تجد في أمهات المدن الإسلامية كدمشق مدارس لتعلم علوم الدين من تفسير وحديث وفقه وأصول وتوحيد كما لا تجد أساتذة يعلمون هذه العلوم بدروس خصوصية إلا قليلاً ولا تجد من الحكومة تشويقاً لتعلم تلك