إن الشارع صلى الله عليه وسلم يعتبر في سائر مصالح الأمة سواء كانت دينية أو إدارية. الكفؤ لها والأصلح لإدارة شؤونها. ليقوم بأودها حق القيام ويمثل واجباتها أحسن تمثيل ومن هنا أخذ الفقهاء حكم سائر المصالح وأطبقوا على أن الأصلح يقدم على الصالح لا محالة.
وهذا أمر مقرر قد فرغ منه لا يحتاج إلى تبيان وزيادة إيضاج. . . إلا أنه لما انعكس الأمر وتبدلت الحقائق وضيعت حكم التشريع فأصبح الباطل حقاً والحق باطلاً والسنة بدعة ممقوتة والبدعة سنة معروفة يتبادل العلم بها جمهور الناس بل تسربت إلى بعض الخواص. وأضحى المنكر معروفاً وبالعكس وعاد الدين غريباً كما بدا. وضاعت محاسن الشريعة السمحة ودكت معالمها وقوضت أركان السنة الشريفة وعفت آثارها وطمس الله على القلوب فصارت كالحجر الصلد لا ترعوي لكلمة الحق بل لا تفقه لما يقال لها. صار من اللازم اللازب على أهل العلم الصحيح الذين استرعاهم الله الأمانة أن يبينوا حكم الله في هذه النوازل ومغزى الدين الإسلامي في هاتيك المسائل لئلا يشوه وجه الحقيقة الناصعة بمثل هذه اللبيسات ويتخرص المتخرصون بأن من شريعتنا الإسلامية السمحة ما نحن عاكفون عليه اليوم.
ولئلا يكونوا مؤاخذين أمام الله تعالى الذي أمر من أوتوا العلم أن يظهروه عند اصطدام الخطوب وجعل الشعوب وبما أخذ عليهم من العهود الوثيقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمر الذي هو من أعظم دعائم الدين الإسلامي إن لم نقل كله.
قال تعالى في الكتاب العزيز {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}. وقال حاكياً عن القوم الذين تركوا الأمر بالمعروف وموبخاً لهم {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي إمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال كيف انتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر. قالوا وكائن ذلك يا رسول الله. قال نعم وأشد منه سيكون. قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر