معروفاً قالوا وكائن ذلك يا رسول الله. قال نعم وأشد منه سيكون. قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف إلخ. . .
هذا وإن من أعظم المنكرات الشائعة والبليات الذائعة. . . تولية الجهلاء الأغرار الوظائف الدينية واحتكارهم عوائدها الخيرية حتى أصبحت من الموروثات يرثونها عن آبائهم وأجداهم كما يورث الدرهم والدينار وسقط المتاع. كأنها من جملة التركة يخلفها الميت لبنيه عوناً لهم على صدمات الدهر وطوارق الحدثان بحيث لا نغالي إذا قلنا إن جل هذه الوظائف (إن لم يكن كلها) مغتسلة بأيدي هؤلاء الجهلة بطريق التغلب من دون أهلية ولا استحقاق. . . فهم يلتهمون أوقافها وريعها بسائق هذا الادعاء الباطل ولا منازع في الأمر ولا رادع.
وبالواقع ونفس الأمر لم تشرع هذه الوظائف وتؤسس تلك العوائد إلا لأناس مستحقين ذوي جدارة ولياقة من أهل العلم الصحيح ليس إلا.
وقد سبب هذا لاحتكار أضراراً عظيمة وجنايات على الدين وأهله لا يرضى بها من له حمية دينية ونزعة وطنية. . فقد أصاب الفقر المدقع معظم من قضوا حياتهم بين جدران المدارس الدينية والمعاهد العلمية. ممن تاقت نفوسهم للاستضاءة بنور العلم. واشرأبت أعناقهم لارتشاف كؤوس آداب. . . فخرجوا من المدارس وبارحوا معاهدها صفر اليدين مما أسسه لهم أصحاب الخيرات العظيمة وواقفي العوائد الجسيمة - حتى ألجأهم سائق الاضطرار للاحتراف بالحرف الضئيلة ليسدوا رمقهم ويدفعوا عوزهم. . . وهم آسفون أشد الأسف على ترك العلم ومبارحة معاهده. يحنون إليها كلما ترقرق لهم ذكراها.
ولو وجدوا ما يسدون به رمق اليوم وعوز المستقبل لما بارحوها وفيهم عرق ينبض ومنهم شيوخ أجلاء أناخ عليهم الدهر بكلكله. ثبتوا على صدمات الدهر ومقارعة الأيام بقوا بين خرابات (المدارس) وأطلالها البالية يقاسون من العذاب ألواناً. حرصاً منهم (أبقاهم الله) على إفادة مستفيد وإرشاد مسترشد ونشر العلم ولو بين الموتى ولكن ويا للأسف بارت هذه التجارة وكسد سوقها. . .
في حين أن هؤلاء الفرقة الجاهلة تستبد بالزيغ وتستهلك عين الوقف بالبيع خوفاً من مصادرتهم ولو بعد حين.