للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا ذهب العلم ونضب ماؤه واندثر الفضل ودكت أركانه وزلزلت أبنيته المشيدة واضمحلت معالمه الرفيعة فلا حول ولا قوة إلا بالله.

من مثل هذه الطوارئ كان يخاف على أمته عليه الصلاة والسلام فقد أخرج الستة خلا أبا داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

ونحن نرى أن من أعظم الأسباب لانقراض العلم وأهله هو توارث وظائف الدين عن الآباء والأجداد تلك التي أيدها قانون التوجيهات وجهل حكام الشرع وتهورهم في توسيدها إلى غير الأكفاء وهرولتهم لإعطاء الإعلامات الشرعية - كذا - مؤذنة بأن حاملها من أعظم العلماء وأوحد العصر وفرد الأوان وهكذا من الألفاظ التي يندى لها جبين الدهر خجلاً فقد ظنوا (وبعض الظن إثم) أصلحهم الله أن العلم هين المنال سهل المراس يكفي فيه الألقاب الضخمة والصفات الفخمة وينقضي الأمر بتحكيم القبة فوق الجبة ويكون المنعوت هو فلان بن فلان. . . فقد طاش ورب الكعبة سهمهم وخاب فالهم تخرصوا على الله وخاضوا في الجاهلية الأولى وهاموا في تيه الضلالة ونازلوا جنوداً لا قبل لهم بها.

فكيف يدأب طالب العلم على طلبه ويسعى جهده لتحصيله ويعلم أنه لو طلبه من المهد إلى اللحد لما وجد شيئاً يعتاش به ويرتاش.

وقد نقبت طويلاً في كتب الفقه على اختلاف نزعاتها وتباين مشاربها لأعثر على أصل يرجع إليه أو قول يركن إليه يبرر هذا الاحتكار المضر فلم أظفر بعد عناء البحث بشيء من ذلك.

بل وجدت أن كلمة الفقهاء ممن أدركوا حدوث هذه البدعة السيئة. متفقة على إنكارها وردها والقيام بوجه تيارها الجارف.

وما يقال من أن شيخ الإسلام التقي السبكي هو المجيز لها المفتي بها تخرص بحت على هذا الشيخ الجليل. فقد نفى هذه التهمة عنه ولده التاج في طبقاته الكبرى ودحض هذه الحجة بقوة بيانه المشهورة ومما قاله رحمه الله أن الوالد كان يشدد النكير على هذه الكارثة ولا يجيزها البتة وبين الأضرار الجمة الناشئة عنها خلافاً لما يشيعه أعداؤه ولا بأس بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>