قال كارلايل الفيلسوف الإنكليزي الشهير الذي يعد أكبر الإنكليز بعد شكسبير (توفي سنة ١٨٨١) م قال في إقامة الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الأبطال وديانة الأبطال ما معناه:
(لو جاءك رجل فادعى لك أنه بناءً فماذا تطلب من الأدلة على زعمه ذلك أكثر من أن بيني ذلك بيتاً مشيد الدعائم ثابت الأركان. ثم ماذا كنت قائلاً لو بني ذلك البيت من السعة بحيث يسع نحو مائة وثلاثين مليوناً من الأنفس ويعيش جديداً متيناً نحو ثلاثة عشر قرناً) هذا المثل نضربه لمحمد النبي العربي الذي قال أنه نبي ثم قرن مقالته هذه بتأسيس دين متين دخل فيه الناس أفواجاً ومازالوا متمسكين به اليوم تمسكاً لا يوجد له نظير في الأمم الأخرى. فإن زعم زاعم بان ذلك دين باطل فنجيبه بأن الباطل مثله كمثل أوراق البنك الزائفة تمر من يد ويدين ولكنها لا تكاد تمر في اليد الثالثة حتى تضبط وتعرف أنها زائفة فلا يقع في أحبولتها أحد هكذا عهدنا حال الأباطيل في هذا النوع الإنساني. وهذا الإسلام قد مضى عليه كل هذا الزمان وتولته رجال من كبار العقول أحقابا بعد أحقاب ولم يزل موضع الإجلال والإعظام إلى اليوم. أليس في هذا ما يدل على أنه حق؟
هذا معنى قول (كارلايل) في الفصل الذي خصصه للنبي صلى الله عليه وسلم من كتابه ذلك وهو قول جدير بالروية لمن ألقى السمع وهو شهيد. كل الناس يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم ظهر في أمة العرب وحده معلناً قومه بأنه أرسل إلى الناس كافة بدين الله الذي هو الإسلام دين الفطرة وكل الناس يعلمون أنه أوذي واضطهد هو ومن تبعه نحواً من ثلاثة عشرة سنة بمكة ثم هاجر إلى المدينة وهناك وجد أنصاراً قاتل بهم من قاتلهم حتى خضد شوكتهم وثلم حدهم وانتهى الأمر بجزيرة العرب كلها إلى الإسلام.
وكل الناس يعلمون أنه كان وهو صاحب الكلمة العليا ومالك ناصية الأمة بحذافيرها الزهد والعبودية والبعد عن حطام الدنيا كما كان أيام كانوا يرمونه بالحجارة ويستهزؤن به في النوادي. وكل الناس يعلمون أنه لما اشتد أذى الكافرين وثقلت وطأتهم على المؤمنين حتى