هل أتى على دمشق حين من الدهر كانت مهداً للعلوم والمعارف ومنبعاً للفنون واللطائف يتجلى فيها الدين الإسلامي على أكمل صورة وأبدع نظام، هل أتى عليها ردح من الزمن كان يحوي محيطها فقط قريباً من خمسمائة معهد علمي من أرقى ما يتصوره بنو البشر ملأى من نبهاء الطلاب وأذكيائهم يدرسون فيها أنواع العلوم الدينية وأشتات الفنون الأدبية كل على حسب قصده ومبتغاه فكان لا يمضي القليل من الزمن حتى يخرجوا منها رجالاً عظماء ينفعون البلاد والعباد ويضيء بعلمهم الربع المسكون.
وكان جامعها الأعظم يضاهي بعلومه وإتقان دروسه وتحقيقها الجامع الأزهر في مصر والزيتونة في تونس دهمها كما دهم الشرق نكبة شديدة وداهية عظيمة زحزحتها عن مكانها المكين ومجدها المتين فأصبحت في مؤخر بلاد الله بعدما كانت من أرقاها.
دهمتها داهية دهماء تنوء عن حملها الأرض والسماء اكتسحت مابقي فيها من آثار العلم بعد ما كانت القطب الأعظم للحركة العلمية في القرن السابع إلى الثاني عشر. . ومن ذاك الوقت فاجئتها هذه الدويهية (التساهل في توسيد الوظائف الدينية لغير الكفؤ) على حين غفلة وسرت فيها سريان السل في الأجسام فصدع نظامها ووهنت عظامها وتشتت شملها وتفرق أمرها وأضحت كأنها في جاهلية جهلاء.
التساهل في توسيد الوظائف الدينية والدروس العلمية لمن لم تثبت له الأهلية من أهل الجهالة والبطالة داء دفين ومرض عضال منذ طرأ على دمشق ما قامت فيها قائمة للعلم وأهله حتى يومنا هذا. . والذي سهل اجتيازه إلى ربوعنا ومهد له فيها مهداً وثيراً وجعله الحاكم الأعظم على مملكة العلم يتحكم فيها كيف شاء هواه الصمت الطويل والسبات العميق من رؤساء الدين وعلمائه.
نعم تغاضى علماء الدين عن هذا الداء الوبيل جر علينا أموراً لا يعلم بسوء مغبتها ووخامة عاقبتها إلا الله تعالى. . والمرض متى طال زمنه وأهمل معالجته طبيبه استحكم في الجسم وكمن فيه كمون الوميض تحت الرماد واللص تحت أديم الليلة الليلاء وأصبح من الصعب تلافي خطره وملافاة شره وشروره حتى نطس الأطباء ودهاة الرجال. . قال سفيان الثوري رحمه الله العلماء أطباء هذه الأمة فإذا مرضوا خيف عليها من الهلاك. . هذا إذا مرضوا فكيف إذا استحكم المرض فيهم؟ أفلا يجب على أهل الدين وعلماء المسلمين أن يدركوا