ليس من الصعب على من منح عقلاً سامياً وفكراً نيراً ورزق براعة في الاستدلال ومهارة في الاستنباط أن يستعمل النظر فيما أسس عليه الدين الإسلامي من توحيد وتصديق وعلم وبرهان وتعبد وإذعان وأمر ونهي لتنكشف له حقيقته ويعلم سر قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
تأمل أيها المستدل في حجته القويمة ومحجته الواضحة وسيرته الغراء وطريقته الحنيفة السمحاء تجد ما يبهر العقول ويدهش الألباب.
سما بأمته في مدة وجيزة إلى أعلى مراقي الكمال وصعد بها إلى ذروة المجد وشاهق العزة وقدَّسها عما كانت عليه الجاهلية قبل من أوصاف الهمجية وسفاسف الدنايا حتى سادت على العالم بما أحرزته من مقتضيات المدينة وامتازت على الأمم بالشهامة والشجاعة وتهذيب الأخلاق وتسديد الأحكام، تدبرايها الواقف على أحوال سير الأمم في هذا الدين تراه أرشد معلم يهدي الأنفس إلى اكتساب الفضائل واقتناء العلوم والمعارف وأجل أستاذ يطبع الأرواح على مكارم الصفات ومحاسن الآداب.
كان الناس في حيرة وتردد وتقاطع وتبدد في أسر الوسائط والشفعاء وتحت سيطرة المتكهنة والعرفاء يقودهم الجهل إلى أضيق المسالك ويسوقهم الغي إلى مهامة المهالك فجاء الإسلام بالدين القويم والذكر الحكيم أشرقت شموسه وسطعت أنواره وانتشرت محاسنه وهبن نسمات عدالته فطفق الناس يدخلون فيه أفواجاً تصافحهم أيدي العناية وتعانقهم كواعب الهداية وتبشرهم دواعي الرحمة بالسعادة والفوز بالحسنى وزيادة محا الله به عبادة الأوثان والعادات السيئة والمذاهب الباطلة التي كانت عليها العرب في الجاهلية ووضع الأصر والغلال التي كانت على الأمم وأحل الطيبات وحرم الخبائث، ورفع الحجر الذي كان وضعه رؤساء الأديان على عقول السذج والضرائب التي كانوا يأخذونها من سفلتهم وجهالهم وأصبح المسلم عبداً لله خالصاً من رق العبودية لكل ما سواه.
كم هدى الدين ضالاً والآن قاسياً وهذب خشناً وعلم جاهلاً ونبه خاملاً وأصلح من الخلق