ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إجلاء أهل نجران من جزيرة العرب
بعد أن سار أبو عبيدة بن مسعود بجيشه إلى العراق لمقاتلة أهل فارس كما تقدم، أرسل سيدنا عمر رضي الله عنه يعلى ابن أمية إلى اليمن بجيش من المسلمين وأمره بإجلاء أهل نجران لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بأن لا يترك دينان بأرض العرب ولأنهم نقضوا ما عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من المتاجرة بالربا وكان مما قاله عمر رضي الله عنه ليعلى أيتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم، وامسح أرض كل من تجلي منهم ثم خيرهم البلدان، واعلمهم أننا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك بجزيرة العرب دينان، فليخرجوا من أقام على دينه منهم ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم إقراراً لهم بالحق على أنفسنا ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك، الخ ثم عوضهم رضي الله عنه أرضاً كأرضهم وفاءً بذمتهم.
وهنا ندعو من يتهم المسلمين بعدم الوفاء بالعهود لأهل الذمة ليرجعوا إلى الحق وينظروا ما كان عليه المؤمنون من المحافظة على حقوق أهل الذمة والرأفة بهم ومعاملتهم بالعدل والرحمة يوم كان نفوذ المؤمنين في الكرة الأرضية في مكانة من العز ضجت أمام بأسها فراعنة الدنيا. ورغمت بها أنوف جبابرة العالم ودان لها أهل الشرك قاطبة حتى دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. . في أيام تلك القوة الإسلامية المنيعة. عوض عمر رضي الله عنه أهل نجران أرضاً كأرضهم التي أخرجهم منها وتركهم آمنين على دمائهم وأعراضهم وأموالهم عملاً بالشريعة الإسلامية السمحة التي أمرت بحفظ حقوق أهل الذمة والوفاء بما عوهدوا عليه ولو أراد سيدنا عمر يومئذ أن يستأصلهم من الأرض لما وجدوا ولياً ولا نصيرا.