لكن النفوس الإسلامية الكريمة التي أدبها القرآن بالكمال وحبب الإسلام إليها الصدق وكره إليها الغدر والخيانة قد حافظت على قوم ضعاف أذلاء وصدقت فيما عاهدتهم عليه.
ومن أمعن النظر علم أن هذه الكمالات كانت السبب في امتداد نفوذ المؤمنين في أنحاء الأرض وأنهم لو انحرفوا عن ذلك الخط السوي لما استقام لهم الأمر ولا وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الغايات الكمالية والقوة المادية والمعنوية ولذا يعتقد العاقل أن الأعداء الذين استولوا في هذه الأيام على كثير من بلاد الإسلام وفعلوا بأهلها ما فعلوا من ذبح الأطفال وهتك الأعراض وغير ذلك من الفظائع والمنكرات أن الدائرة تدور عليهم بحول الله وقوته فإنهم إذا طغوا وجاروا وظلموا وعاثوا في الأرض فساداً معتمدين على قوتهم فالله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وأعظم بطشاً ويأبى الله إلا أن ينصر المؤمنين مهما يكن فيهم من ضعف ولو كره الكافرون.
هزيمة جيوش فارس وأسر جابان وهو من أعظم قوادهم
اختلف أهل فارس فخافت بوران بنت كسرى وبعثت إلى رستم تستحثه للقدوم وهو على خراسان يومئذ فأقبل في الناس إلى المدائن. وأمرت بوران مرزابة فارس بالانقياد له فرضوا به وتوجوه عليهم واستعد هو وجيشه مع أهل فارس لقتال المسلمين.
ولما وصل المثنى الشيباني وأبو عبيد الثقفي ومن معهما إلى الحيرة كتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين وبعث لذلك في كل قرية رجلاً فجعل جابان أميراً على جيش وسيره إلى فرات بادفلا وأرسل ترسى ابن خالة كسرى في جيش إلى أرض كسكر وبعث جنداً آخر لمصادمة المثنى وعلم المثنى بذلك فخرج من الحيرة حذراً منهم ونزل جابان بأرض النمارق ومعه جمع عظيم ثم سار إليه أبو عبيد بمن معه وجعل المثنى على الخيل فاقتتلوا بالنمارق قتالاً شديداً كانت نتيجته انهزام أهل فارس وأسر أميرهم جابان.
ثم لحق المنهزمون منهم بجيش نرسى ابن خالة كسرى واجتمع إليه سائر عسكر الفرس وبلغ بوران ورستم أسر جابان وانهزام جيشه فبعثا الجالينوس بمدد عظيم إلى نرسى فعاجلهم أبو عبيد وخرج إلى نرسى فاجتمع به عند كسكر بمكان يقال له السقاطية واشتد الأمر على المشركين فانهزموا وهرب أميرهم نرسى وغنم المؤمنون أرضهم وأموالهم وأسروا منهم كثيراً.