إسناد الوظائف العلمية إلى غير أهلها، وتمكين الجهلة من التربع في مناصب العلماء مما أثر على المسلمين، وساعد على عدم انتظام شؤونهم لما في ذلك من القضاء على العلم الذي هو أس المدنية وأساس العمران، وتمهيد السبيل لتفشي الجهل الذي هو منبع الرذائل، وأصل كل شر.
لسنا الآن بحاجة إلى إطراء العلم وما ينتج عنه، وذم الجهل وما يترتب عليه فقد أصبح العقلاء كافة يشعرون بفضل العلم، ويحسون بألم الجهل إنما كلامنا الآن في الأسباب التي نشأ عنها هذا الخلل، وبيان ما على الأمة إزاءه.
إن ما نتصوره من أسباب هذا الخلل أمور ثلاثة، تغاضي ولاة الأمور فيم
أكثر البلاد عن التعرف بالعلماء العاملين. وركونهم إلى أدعياء العلم من الجهلة، تقاعد العلماء الحقيقيين عن الأخذ بالوسائط لنيل المناصب التي هي خالص حقهم، ونفرتهم من الحكام نفرة الشاة من الذئب، قيام مدعيي العلم متمثلين بزي العلماء يسعون بما فيهم من قوة للحصول على الوظائف العلمية ويستعملون الأسباب المنكرة للاستيلاء عليها.
هذه الأسباب التي نجم عنها حرمان العلماء المخلصين من وظائفهم، وتقليدها من لبس لباسهم من جهلة الناس وأغبيائهم ممن إذا سئلوا أفتوا بغير علم، وإذا قضوا حكموا بغير ما أنزل الله، وإذا وعظوا أحلوا الحرام وحرموا الحلال، وإذا أموا الناس في صلاتهم أخلوا بشروط الإمامة والصلاة، وإذا خطبوا لم يكن لكلامهم تأثير، فهم قوم ألفوا المنكرات واستغرقوا في الشهوات. قوم قعدوا بالمسلمين عن اللحوق بسلفهم الصالح، وحالوا بينهم وبين الاقتداء بهم في كرائم الخصال، قوم خفضوا من قدر علماء الإسلام، وحطوا من منزلتهم حيث لبسوا ظلماً لباسهم وهم خلو من الصفات الفاضلة، براء من الشمائل التي يجب أن يكون عليها العلماء.
إن ما نراه متحتماً على الأمة لهذا الخلل ومنعاً لسريانه أمران:
الأول أن يعمل الحكام على التعرف بالعلماء الحقيقيين، ويقوموا لهم بواجباتهم، يقصرون عليهم الوظائف الدينية من إفتاء وقضاء وتدريس وإمامة وخطبة وغيرها، ويسعون لنزع مناصبهم من أيدي من اغتصبها منهم، ويحظرون على العامة أن تتزيا بأزيائهم، ويساعدونهم المساعدة الكافية لبث روح العلم في عامة طبقات الأمة.