وأول شيء يلزمهم تقديمه بين يدي عملهم هذا إبعاد من التف حولهم من الجهلة عن مجلسهم، وعدم الأخذ بشيء من آرائهم ووساوسهم وبذلك يكونون ممن أدى الأمانة إلى أهلها وقام بما يجب عليه للدين والعلم.
الأمر الثاني أن يقصر العلماء المتقون عن التباعد من المناصب، ويكفوا عن مجافاة الحكام فإن هذا الزمن غير الأزمنة التي تطلب فيها العزلة، وتحمد فيها المجانبة حيث توفر في تلك الأزمنة العلماء المصلحون، ونما فيها عددهم، وقد انقرضوا في هذا الزمن ولم يبق منهم إلا بقية هي في عداد المخربين كالشعرة البيضاء في الشاة السوداء فالدين يحتم عليهم في هذه الآونة مراقبة سير الحكام ومداخلتهم في شؤونهم بل يجب عليهم أن يستعملوا الوسائط ويبذلوا الجهد لأن يكونوا هم الحكام وأهل الوظائف فهم قادة الناس إلى كل خير، وزعماؤهم في كل صلاح وأعظم مهمة لديهم أمام نهضتهم هذه أن يحتفظوا بأزيائهم ومميزاتهم، ويعملوا على عدم تمكن أحد من التلبس بها إلاَّ بالاستعداد لها وذلك بأن يحصل على ملكة تامة في فهم علوم الدين تؤهله للتربع على كراسي الإرشاد، وتخوله مزاحمة العلماء في جميع ماعهد إليهم وبذلك يحفظون العلم من أن يدعيه الجهلة الأغرار، ويحفظون العامة من الركون إليهم في أقوالهم وأفعالهم.
إذا توفر هذان السببان (قيام الحكام بما يجب للعلماء وقيام العلماء بواجباتهم للأمة عموماً) فلا يلبث دعاة الفساد ممن زجوا أنفسهم في غمار العلماء أن يتلاشى أمرهم، ويفقدوا سلطتهم، ولا يمضي زمن يسير على المسلمين حتى تنتظم شؤونهم ويعم العلم كافة أفرادهم، ويسير العدل في عامة أنحائهم، ويرد إليهم ما فقدوه من سنن الإسلام وآدابه.