للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الوطن والوطنية]

طالما نادى الكتاب على منابر الصحف مكررين هاتين الكلمتين ويريدون بذلك أنه يجب على كل فرد من أفراد هذا المجتمع أن يحب وطنه وأن يبذل في سبيل ترقية غاية الجهد لكنهم لم يتفلسفوا في معنى الوطن واكتفوا بظاهر معناه فلذا طفق الناس وأهل الغايات مسرعين للعمل في سبيل الترقي الموهوم إجابة للنداء وأداءً لحق هذا الواجب في زعمهم فدخل عملهم في طور الفوضوية.

وكل يدعي وصلابليلي ... وليلي لا تقر له بذاك

روج البعض هذا النداء بحديث (حب الوطن من الإيمان) مع أنه متكلم فيه. وها نحن نبين لك معنى الوطن في اصطلاح اللغويين والفقهاء لتعلم عدم ظهور إرادته. قال في الكليات الوطن هو منزل الإقامة وهو صادق على الوطن الأصلي وهو محل الولادة والتأهل وعلى وطن الإقامة وهو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل ونوى أن يقيم فيها خمسة عشر يوم فصاعداً وعلى وطن السكني وهو المكان الذي يريد المسافر أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوماً فليت شعري أي وطن هو المعني بذاك الحديث وإذا عين فما وجه التخصيص؟ وربما يكون الوطن من البلاد الأجنبية وإذا بقي على عمومه شمل الوطن الأجنبي واي إيمان ينشأ منه حب الوطن أجنبي؟ إذاً على الحاث على حب الوطن أن يوضح معناه وأن يبين جهة الحب وطرق الترقي المقصود له.

الوطن أن حمل على محل الولادة أو التأهل أو. . . أو. . . يكون للمحسوسات المرئيات بالعين الباصرة لا للمعنويات المعقولات بقوة الفكر ومن المعلوم أن الحب للمحسوسات يقوم بقيامها ويبقى ببقائها بخلافة للمعنويات فإذا أحببت وطنك على كونه محلاً لولادتك أو لتأهلك ربما تكون هذه المحبة ضعيفة القوى سريعة الزوال.

التفلسف الذي ينبغي أن يقصد بمعنى الوطن أن تريد به أولاً الفطرة الإسلامية وكلمة التوحيد إذ هما أولى بالاعتبار وأجدر بالدعوة إليهما من المنزل الذي تقيم به وتولد فيه لأنهما يجمعانك مع ثلاثمائة مليون من أهل الكرة الأرضية وهذه هي الصلة التي لا ينقطع أصلها والعروة الوثقى لا انفصام لها فأول واجب عليك أن تسعى لترقية هذه الجامعة وإعلاء كلمتها بأداء حق كل فرد من أفراد أهلها بالإحسان غليهم والنصرة لهم والزن لحزنهم والفرح لفرحهم، وبذل النصح لهم وتقوية روابط الألفة والاتحاد بينهم وعدم تفرقة