المتطفلون على موائد العلم والمشاريع العلمية كانوا ولا يزالون عقبة في سبيل الإصلاح وعثرة في طريق الترقي والفلاح والنفوس مجبولة على حب التقليد للعلى وادعاء التفوق ولو فيما لا تفهمه فضلاً عن الذي تجيده إلا من وفقه الله للأخذ بنصيب من العلم وقسط من الأخلاق الفاضلة، والآداب الشرعية، فهذا يمنعه دينه وأخلاقه من ادعاء ما ليس فيه، ولا يرضى أن يظهر بمظهر الإصلاح ما لم يكن إهلاله، ويعد له عدته، خشية أن يغش الأمة من حيث يريد نفعها وفائدتها.
أعلن الدستور والأمة غير متمرنة على المشاريع الاجتماعية والشعب محروم من وسائلها بسبب الحجر على الأفواه والأقلام في الدور الماضي وكان من حسنات الدستوران أطلقت الألسن من قيودها عملاً بمبدأ الحرية فقام لأنشأ الصحف جماعة فيهم القريب من الكفاءة والمعد لها بعض عدتها وفيهم الغبي الساقط الذي لم يعد من الوسائل لها إلا ما يعرف من عبارات لجرائد المحفوظة عنده، وهو على جهل في كل ما تحتاج إليه تلك المهنة حتى في اللغة التي يكتب فيها صحيفته، ولم تعمل الحكومة على منع إعطاء الأذن لغير الكفؤ لذلك دخل في زمرة الكتاب من ليس في الغير ولا في النفير واحتقرت الأمة الصحف لما يشاهد من أدعيائها من الأخلاق لتي لا تلائم ديناً ولا فضيلة، ولو عنت الحكومة بامتحان من يريد أذناً لمشروع علمي كإنشاء مجلة أو جريدة لكانت أحسنت صنعاً وليس كافياً أن تسأل عن أخلاقه سواءً سطحياً كما يشاهد الآن تطبيقاً للقانون بل ينبغي أن تختبره بالفنون التي يريد أن يبحث بها في صحيفته بمعرفة أفاضل مشهود لهم بالعلم والنزاهة وطهارة الوجدان فإن أجادها تمام الإجادة بحثت عن أخلاقه وآدابه بحثاً مدققاً لا يكتفي فيه بالشهادات المزورة بل يلتزم الإمعان في البحث عن أخلاقه الدينية وآدابه الاجتماعية حتى إذا كان على نهاية الإجادة في كل ما ذكر أذنت له أن ينتشر تلك الصحيفة كيلا يكون عليها مغبة ما يجني على الأمة من إفساد المبادئ وتشويش الأذهان.
ولا إذا بقيت الحكومة لا تعنى بهذا الأمر الحيوي يدخل في زمرة الكتاب أصحاب الغايات وأرباب المآرب السافلة ومن لا يحسن أن يمسك قلماً، ومن يريد أن يتسلط على الأمة في أعراضها وأموالها، ومن يود تقسيم الأمة وتخربها وإيقاع البغضاء والشقاق بينها وغير ذلك من المفاسد التي تضر بالقريب وتطمع البعيد ظناً منهم أن الشعب جاهل غافل متهيء