ماذا دهى المسلمين فأوقعهم في المهالك وأذاقهم آلام الهوان؟ ماذا فاجأهم ففرق جمعهم، ومزق شملهم، وحل رباطهم وخالف بين كلمتهم؟ ماذا حل بهم فزلزل أركان عقائد كثير منهم وأدخل عليهم فيها الشكوك والأوهام؟ ماذا نزل بهم فبدل عظيم أخلاقهم بسيء الأخلاق وسلبهم جميل الأدب؟ ماذا طرأ عليهم فسلبهم أكثر بلادهم وهددهم بفقدهم الاستقلال؟ ماذا باكرهم فصرفهم عن العلوم التي شيد لها أسلافهم صروحاً عالية فأصبحت من بعدهم قاعاً صفصفاً ويباباً خالياً؟ مصاب عظيم لسنا ندري لمن نعزوه، وخطب جسيم لا نعرف بمن نلصقه أنلصقه بأولياء الأمور ومن بيدهم الحل والعقد لتركهم الجهاد والاستعداد الذين أوجبهما الدين وتهاونهم بنشر العلوم بين عامة المسلمين؟ أم بالأمة التي سلمت زمام أمرها لمن يعبث بمصالحها ولا يحسن القيام بشؤونها؟ أم بالطائفتين معاً بتركهم أوامر الدين وانغماسهم في محضوراته فكانت العاقبة أن انتقم الله جلت قدرته من الأمة حاكمها ومحكومها فهي أسباب خرابها ودمارها؟ ليس ببعيد أن يكون الأمر الأخير سبب هذا الانحطاط وزداعية هذا الهوان إذ من المقرر أن الأمة لا يحفظ كيانها وتستقيم شؤونها حتى يتولى قيادتها المصلحون ولا يتسنى لها ذلك حتى تكون بنفسها بعيدة عن الرذائل متحلية بكرائم الصفات سالكة منهج التقدم آخذة بأسباب الرقي (كما تكونوا يولى عليكم) حديث شريف أخرجه الديلمي في مسند الفردوس يا ويح المسلمين انغمس أكثرهم في الآثام واقترفوا كبائر الذنوب ونبذوا أوامر الله سبحانة وأحلوا شعائره واسترسلوا في التخاذل والتدابر والتحاسد والتشاحن وأسرفوا في العسف والظلم والجور والاستهانة بحقوق الأمثال وارتكبوا الموبقات من الزنا واللواطة وشرب الخمر وقذف المحصنات واستهانوا بالغيبة والنميمة والكذب والافتراء ولبسوا ثياب الكبر والعجب واستلانوا موطئهما ومالوا إلى السرف والبذخ واللهو والخلاعة وركنوا إلى الدنيا فانغمروا في شهواتها وراقتهم زخارفها وقعدوا عن أداء ملاا افترضه عليهم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وتركوا جهاد العدو والاستعداد له والرباط على حدوده وأغفلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين المسلمين وأهملوا تعلم العلوم الدينية والدنيوية وتعليمها وقصروا في بر الوالدين وصلة الرحم ومارعوا حق الجيران والأخوان وصرفوا النظر عن الدقة والمواساة والحلم والصفح وأغضوا عن العفة والاستقامة والزهد والورع فسلط عليهم من عبث بمصالحهم ولم يرع