حقوق الله سبحانه فيهم فسلبت منهم العلوم التي نشرت أعلامها في زمن اسلافهم على الخافقين ووهنت قواهم الحسية والمعنوية التي ذلك لها في الأعصر السالفة الملوك الجبابرة وحرموا العدل الذي هو روح التقدم والرقي وحيل بينهم وبين موارد الثروة التي لا بقاء للأمم إلا ببقائها وهي التجارة والزراعة والصناعة وخلى بينهم وبين أعدائهم يسومونهم الذل والخسف ويوسعونهم المهانة والعسف فأفسدوا عليهم دينهم وانتزعوا منهم أخلاقهم وآدابهم وقبضوا زمامهم ليقودهم إلى مجامع الفسق ومواطن الفجور وتداخلوا في عامة شؤونهم فسلبوهم أكثر بلادهم وكادوا يفقدونهم عزيز استقلالهم كل ذلك جره والله الاجتراء على حدود الله وانتهاك محارمه ومخالفة أوامر الله سبحانه وهتك شعائره قال تعالى في كتابه العزيز (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) وقال جل ذكر (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم) وقال عز من قائل: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) وقال عليه الصلاة والسلام من حديث رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (ولا نقضوا) أي ولا نقض قوم من الأقوام كما يدل عليه أول الحديث عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم فالتمسك التمسك بالدين قبل أن يتلاشى أمر المسلمين والتدارك التدارك قبل أن تعظم المصيبة ويستفحل الخطب تالله لئن لم ندع الكبائر التي اقترفناها ونؤد الواجبات التي أهملناها ليرميننا الله بخطوب يعود الحليم منها حيران أو ليعمنا بعقاب من عنده فالواجب على كل منا أن يحاسب نفسه فيدع المنكر ويوقوم بالواجب والواجب علينا جميعاً أن نسعى بتمام الجهد وغاية الوسع لإزالة المنكرات العامة فإن عجزنا عن إزالتها فلنرفع الأمر إلى أولياء الأمر ولنلح عليهم في ذلك ففي وسعهم إزالتها وما قامت إلا بتغاضيهم عنها.
فإذا أحسنا القيام بهذا فلنستبشر بمستقبل زاهر ينير لنا ظلم المشاكل السياسية التي لا زلنا نخبط في دياجيها ويحفظ لنا كياننا وقد أوشكنا أن نفقده ويعيد لنا قوتنا التي علا كعبنا بها على جميع الأمم ويشرق في ربوعنا شمس المدنية الإسلامية بعلومها وفنونها ورونقها ونضارتها ومن الله التوفيق.