من ينظر إلى كثرة مدعي الإصلاح اليوم نظرة عارية من التدقيق يتخيل أن الأمة أخذت تتمسك بأهداب الرقي وأنها قد تهيأ لها من رجال الإصلاح ما يكفل سعادتها وينهض بها في قليل من الزمن ولكن المفكرين لا يأبهون لهذه الضجة القائمة بل يعدونها ضغثاً على إبالة وسبباً جديداً من أسباب الانحطاط لم تبل الأمة بشيء بلاءها بهؤلاء الذين ينادون بالإصلاح وهم منه براء، ويدعون إليه وأفئدتهم هواء، يقولون ما لا يفعلون، ويهرفون بما لا يعرفون يقوم قائمهم يدعو الأمة إلى اتباع رأيه، والاهتداء بهديه، ولو فكرت فيه لوجدته أقل من أن يسمع له رأي أو يعمل له بفكر بل لوجدته في الغالب من شذاذ الناس الذين قعد بهم حب البطالة أو قصر الباع عن أن ينفعوا الأمة بشيء من الأعمال فاستلانوا هذا المركب الخشن ظناً منهم أن كل من كتب على صفحات الجرائد يعد كاتباً، وكل من نادى بالإصلاح يعد مصلحاً ولو دفع الأمة إلى الشقاء وأوقعها في أقصى درجات الانحطاط وفاتهم أن الأمة وإن تغاضت عنهم ردحا من الزمن فلا بد من أن تنبه إليهم وتناقشهم الحساب فيذوقوا وبال أمرهم ويلاقوا عاقبة شرهم.
لو تأملنا قليلاً لوجدنا أن أكثر هؤلاء الذين يدعون الإصلاح هم ينبوع الشر وجرثومة الفساد وأن الأمة لا ينساب إليها الضرر إلا بسببهم ولا يحيق بها الخطر إلا من تهورهم فمنهم من غلب عليه حب الشهرة والرغبة في الصيت فتراه يكتب ويخطب وينخرط في سلك الجمعيات السياسية والخيرية ليقال عنه الكاتب المفكر والحر الغيور فإذا زفت له هذه الألقاب الفارغة سكنت ثائرته ولانت شرته وانكفأ يحمد مسعاه ولاهمَ له إلا أن يعرض على من عرف ومن لم يعرف أنه كتب مقالة نشرت في جريدة كذا وقريء شعره في حزب كذا وخطب ارتجالاً في حفلة كذا وأنه أصبح من العالمين ومنهم من يخدم شهوته ويعمل لذاتياته لا للنفع العام فينظم وينثر وينتقد أعمال الحكومة بصورة مفسدة لا مصلحة ويتسلط على الكبير والصغير ويحتقر المأمور والأمير ويتظاهر بحب الوطن ورقيه كل ذلك لينال وظيفة أو يروج جريدة فهو دائماً يميل مع الأهواء ويتقلب مع الأحوال فيذم اليوم من يمدحه بالأمس ويقدس في الغد من ينتقده اليوم حتى إذا ما أتيح له ذلك قال ذلك ما كنت أبغ