أبرز الله تعالى هذا العالم مشحوناً بضروب من الحكم فكل ذرة من الذرات من جوهر وعرض وصفة وموصوف لا تخلو عن حكمة وتلك الحكمة منقسمة إلى جلية وخفية إما الجلية فكالعلم بأن الحكمة في خلق الشمس أن يحصل بها الفرق بين الليل والنهار فيكون النهار معاشاً والليل لباساً فتيسر الحركة عند الأبصار والسكون عند الاستتار وهذا من جملة حكمها الجلية ولها حكم دقيقة لا يعرفها إلا من عرف الحكمة (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).
وكذا الحكمة في خلق السحاب ونزول الأمطار أن تنشق الأرض بأنواع النبات مطعماً للخلق ومرعى للأنعام وقد انطوى القرآن الكريم على جملة من الحكم الجلية التي تحملها إفهام الخلق تظهر لمن تتبعها دون الدقيق الذي تقصر إفهامهم قال تعالى (إنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضبا وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبا).
وأما الحكمة الخفية فكما في سائر الكواكب السيار منها والثابت بأنه لا يطلع عليها كافة الخلق والقدر الذي يحتمله فهم العامة أنها زينة للسماء وليهتدي بها في ظلمات البر والبحر وقد لا تدرك الحكمة أصلاً كما في إيلام البهائم والأطفال لقصور العقول عن إدراك سرها فيجب التسليم له تعالى فيما يفعله إذ هو تصرف في ما يملك له الحكم والخلق والأمر لا شريك له في إيجاد شيء من المخلوقات ولا في إمداده بالبقاء ولا في إعدامه بالفناء لا يسأل عما يفعل بحكم ربو بيته وكمال علمه وحكمته الباهرة وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً) فحدوث هذه المبدعات المحيرة للعقول وهذه الصنائع البالغة نهاية الدقة على مقتضى الحكمة أمر لا ينكره مكابر مهما بلغت منه الرعونة بل محض النظر لأجهزة الحيوانات ودقة تركب أعضائها على بعضها يدفع الإنسان رغم أنفه لأن يندهش من سعة سلطان هذه الحكمة فما بالك لو صعد بفكره إلى استعراض سائر عوالم الكون مما يعلمه بالحس وما يدركه بالاستدلال.