جهز أبو بكر رضي الله عنه أربعة جيوش لفتح الشام وذلك بعد رجوعه من الحج سنة ثلاث عشرة على أحدهما عمرو بن العاص ووجهه إلى فلسطين وعلى ثانيهما شرحبيل بن حسنة ووجهه إلى الأردن وعلى الثالث سزيد ابن أبي سفيان ووجهه إلى البلقاء وأتبعه بأخيه معاوية وعلى الرابع أمين هذه لأمة أبو عبيدة بن الجراح ووجهه إلى حمص فسارت الأمراء على بركة الله وكان أبو بكر يودعهم ماشياً ويوصيهم بما فيه صلاح دنياهم وأخراهم وكان مما قاله ليزيد أني قد وليتك لأبلوك وأجربك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي يرى من ظاهرك وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظت فأوجز فإنَّ كثير الكلام ينسي بعضه بعضاً وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلاة لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهو جاهلون وأنزل في ثورة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولى لكلامهم وإذا استشرت ماصدق الحديث فصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبلك واسمر الليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأخبار وتنكشف عندك الأستار وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجنَّ فيها ولا تسرع إليها ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده ولا تجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء ولا تجبن فيجبن الناس واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.
فلما وصل الأمراء إلى الشام نزل أبو عبيدة الجابية ويزيد البلقاء وشرحبيل الأردن وعمرو