وليس براض عنك ما لم تحرف الكلم عن مواضعه فتجعل الثروة سروة والثمينة سمينة واللبث لبساً والأثاث أساساً والمثيل مسيلاً والنفوذ نفوزاً والذكي زكياً والحديث حديساً والثلاثة سلاسة والثمر سمرا والمأثورة مأسورة والثاني سانياً والثناء سناء والمثقف مسقفاً والكثير كسيراً.
هكذا يود منك جليسك وربما حاول موافقتك له على الباطل طامعاً في إقناعك بمجرد زعمه أن شهرة الخطأ وحدها تكفي للحكم بترجيحه على الصواب بدليل ما استفاض بين الناس مما رواه فلان بن فلان عن هيان بن بيان وهوان (الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور) وليس أسخف وأحمق من واضع هذه الجملة البديهية البطلان إلا الذي يتلقاها بالقبول والتسليم كأنها قاعدة مطردة أو أصل متفق عليه مع وضوح كونها مصادمة للحقيقة من جميع الوجوه نقلاً وعقلاً وإلا نكى أنها تؤيد نفسها نفسها لأنها من الخطأ الشمهور ولذلك يتوهم بعضهم أنها مظنة الصحة وقد توقعه في ورطة الشبه والشكوك في مسائل لا مجال للريب فيها وهكذا شأن سائر البدع والنكرات إذا تطرقت إلى أقوام لا يتناهون عن منكر فعلوه فلا تزال تفشو بينهم وهي كلما زادت شيوعاً زادت تمكناً منهم واستحكاماً فيهم حتى تصير لهم عادة مألوفة يذم المرء على تركها بقدر ما كان يذم على فعلها ولذلك تأبى النفوس مستصعبة أن تنصاع للحق الذي جرت العادة بخلافه وهذا مما قضي علينا أن نستبشع استعمال الحروف اللثوية غير أن ذوي الفضل والنبل وأهل العلم والأدب ومنهم المتصدون للتعليم والمتصدرون للإرشاد ينبغي أن لا يستأسروا لهذه العادة المضرة ولا أقل من أن يتجنبوها في مواطن الإملاء والتدريس ولا سيما في أثناء دروس التفسير والحديث ولله در بعض العلماء حيث أتى إليه يوماً رجل فسأله عن قوله عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات) هل هو حديث صحيح أم لا؟ فقال له أما هذا الكلام الذي تلوكه بلسانك فتهذ الحديث هذا كما تلف البقرة الكلأ بلسانها فليس ذاك بكلام أفصح من نطق بالضاد وإنما هو حديث صحيح إذا سمعته فوعيته فاديته كما سمعته، وقرأته كما يقرؤه العربي الصميم أو الأعجمي الذي أتقن العربية فمابالك بمن يدخل التحريف على جوهر الحروف فيستحيل