أطلعنا في بعض المجلات العربية على كتابين الأول بإمضاء الجنرال الطلياني بريكولا قومندان الفرقة الثانية أرسل به إلى العرب المجاهدين في طرابلس وبني غازي وملحقاتها يدعوهم فيه إلى ترك الحرب ونبذ التابعية العثمانية والإخلاد لطاعة الطليان والثاني بإمضاء إسلام عربان إفريقية الإسلامية سكان البوادي والبلدان وهو رد لمفتريات ذلك القومندان وتسفيه لرأي عامة الطليان ووصف لحال المجاهدين مع أعدائهم وتوضيح لشأنهم وقد نشرنا هذين الكتابين بنصهما ليقف القراء على بعض ما جبل عليه الطليان من الكذب والخديعة والغش والغدر وسخافة الرأي مما يفصح بأوضح عبارة عن سوء منقلبهم في هذه الحرب وما آل معهم الأمر بها من الفشل والتقهقر والخسارة ونتن الأحدوثة الأمر الذي لا ينساه الدهر والعار الذي لا يمحيه كر الأيام وليعلموا بل ليعلم الناس أجمع بعض ما فطر عليه أولئك العرب الكرام المجاهدون من الصبر والثبات والحمية والشجاعة والأنفة والشمم والإباء وقوة الرابطة الدينية وشدة التعلق بعرش الخلافة الإسلامية وبيع النفس والنفيس في سبيل المحاماة عن الوطن والإعراض عن لذة هذه الحياة وعدم الاغترار بتلك الوعود الكاذبة التي جاءت في كتاب الطليان مما سيبقى لهم مسطراً بأسطر ذهبية ما بقي الدهر وعاش النسر بل لا يفنى بفناء الأيام ولا ينقضي بانقضاء الأعوام وسيكون لهم برهاناً على صدق نياتهم يوم يقفون أمام الله تعالى ويعرضون عليه مع الصديقين والشهداء والصالحين (وحسن أولئك ريقاً) ذلك لأن مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى وحماية دينهم والذَب عن حريمهم وبلادهم من جور أولئك الكفرة اللئام. والالتفاف حول عرش الخلافة الإسلامية التي هي جماع المسلمين في مشرق الأرض ومغربها وبعبارة ثانية التي ليس بعدها للمسلمين حول ولا طول.
نعم من يقرأ كتاب هؤلاء المجاهدين ويتأمل معانيهُ يتجلى له شأن رابطة الدين وعظم قوتها. وعجيب منعتها وفائدتها من يتأمل هذا الكتاب يتحقق لديه أن أقواماً يحاربون قصد إرضاء إله واحد. ينادون جميعهم باسمه. ويجأرون بالدعاء له. لا فرق بينهم في العقيدة. ولاخلاف بينهم في الدين. نبيهم واحد وشريعتهم واحدة. وصلاتهم واحدة. وغايتهم واحدة