أصاب المسلمين في القرون الأخيرة من عوامل الضعف والانحطاط ما حرجت منه صدور الغيورين من محبي الإصلاح فتسلطت الأغيار عليهم وتداخلوا في شؤونهم فخربت البلاد وسادت الفوضى وانقسم الناس شيعاً وأحزاباً ورق الدين حتى صار التظاهر بالمروق أمراً هيناً لا يعبأ به بل ربما يعد عند الجهلة الأغرار تمدناً وتنوراً وكادت تزول من بينهم رابطة الدين وتستبدل بما لا يخرج عن دائرة الوهم ولا يكون له نصيب قوي من التأثير في اجتماع الأمم.
كل ذلك أصاب المسلمين بسبب ركونهم إلى أعداء دينهم من الأوروبيين ونظرهم إليهم نظر المعلم الناصح وانخداعهم بما يخدعونهم به من أنهم يخدمون الإنسانية من غير تفريق في المذهب والدين.
اغترت الدولة الإسلامية بقوتها يوم كانت سيدة الدول وظنت أن الأوروبيين يسعون لمصلحتها ويعملون لرقيها وسعادتها ليستفيدوا من قوتها فسهلت لم طرق التداخل في البلاد ليعمروها فلا والله لم يجدوا طريقاً للفساد إلاَّ سلكوه. ولا مورداً لتدمير البلاد إلاَّ وردوه. وأشد ما فعلوه تأثيراً هو تداخلهم في أمور التعليم فكانوا أساتذة في المدارس يبثون فيها أفانين الإلحاد وينفثون سموم التفريق بصور مختلفة وأشكال متنوعة ويدعون أنهم يخدمون الإنسانية والمدنية! أما الغاية الحقيقة التي يسيرون وراءها ويسعون للحصول عليها فهي إضعاف تلك الرابطة الدينية الإسلامية فتخرج على أيديهم من المسلمين من كانوا أشد ضرراً على المسلمين من الإفرنجة أنفسهم لأن العدو الداخلي لا يتقى كما يتقى العدو الخارجي فانساب هؤلاء التلامذة المتفرنجون في البلاد آخذين في الغالب مهنة التعليم حرفة لهم فتخرج عليهم أيضاً فريق كبير من المتفرنجين كانوا السبب الحقيقي في ضعف الرابطة الدينية بين العثمانيين وصاروا كلما غمزهم الأوروبيون مغمزاً لانوا له وظنوه أمراً بسيطاً لا يقصد به إضعافهم وحل رابطتهم فطمع فيهم العدو وجرد عليهم سلاحه السياسي الضار الذي لايبقي ولا يذر فعم الشر وطغى الفساد حتى كاد أهل الدين ييأسون من الصلاح والإصلاح لما يشاهدونه من تهور هؤلاء المتفرنجين وانصباغهم بالصبغة اللادينية وانخداعهم بما تخدعهم به أوربا من الأقوال الفارغة وغفلتهم عنما تنويه للمسلمين إلاَّ أن المفكرين من أهل الدين كانوا مدركين لهذا الأمر وهو ينادون ولا مجيب ويجأرون إلى الله