أن ينبه المسلمين من هذه الغفلة التي كادت تضر بالدولة العلية دولة الخلافة التي تجمع عامة المسلمين تحت لوائها فسعادتها سعادتهم وشقاؤها شقاؤهم. ولا ننكر أن بين السياسيين من يعرفون حقيقة الأمر ومبلغ الخطر ولكن يغضون على الأذى لما يتوهمون من ضعف الدولة المادي بصورة لاتقوى على دفع العدو إذا حافظت على مصالحها فكانوا يقبلون مداخلة أوربا تسكيناً لشرتها ويرتجون من وراء ذلك أن يتسع الوقت للدولة العلية فتنهض من سباتها وتأخذ لنفسها الحذر وتستعد للطوارئ إذا هي رفضت مايضر بالسياسة الدينية ولكن مع الأسف كان مايدسه أعداء الإسلام عاملاً كبيراً على إضعافها في حين أنها لم تنتبه فترقع الخرق من جهات أخرى لتكون في مأمن منهم يوم يظهرون مكنونات ضمائرهم فكان هذا الإغضاء عن تداخل أوربا خطأً محضاً لأن الدولة لم تتمكن من لم شعثها كما كانوا يتوهمون بل كان هذا الإغضاء مما سهل لأعدائها سبل المطامع ولو أدركت الدولة الأمر من أوله يوم أخذوا يعقدون المعاهدات لتجزئة بلادها بدعوى المحافظة على السلم والموازنة الدولية وغير ذلك من الأقاويل التي لا يقبلها إلاَّ من يرى الضعف في نفسه فلا يطيق دفاعاً. لو أدركت الدولة ذلك فأخذت نفسها بالسياسة الدينية وقامت تدعو عموم المسلمين للدفاع عن دينهم وشرفهم لوجدت من حماستهم وتفانيهم ما يعلم أوربا أن المسلمين ذوو قوة ومنعة وأن أموالهم وأبناءهم ودماءهم لا تزن عندهم شيئاً في سبيل الدفاع عن دين الله ولكن سلبت الدول بعض أملاكنا وتداخلوا في شؤوننا واستباحوا حمانا وقطّعوا بلادنا كما يتقطع الجسم عضواً بعد عضو ومع هذا كله لم يرتدع أولئك المتفرنجون عن غيهم ولم يزالوا ينادون بأن أوربا هي محبة الإنسانية والمدنية وأنها تعمل على نفع الإنسان فهل نحن بعد ذلك منتبهون؟
بلغ من تهجم أوربا وتجاسرها علينا أن قامت في هذه الآونة إيطاليا تلك الدولة الحقيرة التي غضب الله عليها وعلى بلادها تغتصب بلادنا الطيبة فأعلنت علينا الحرب بصورة تترفع عنها الصعاليك وخرقت العهود الدولية واقتحمت بأسطولها البحر وضربت طرابلس الغرب وأباحت الأعراض وقتلت الصبيان والعجائز والشيوخ وفعلت فيها من الأفعال البربرية ما يخجل وجه الإنسانية كل ذلك بمرأى من الدول التي تتبجح دائماً بحب الإنسانية والمدنية مما يؤكد ما أسلفناه وأن أوربا إنما تتظاهر بهذه الأمور لتقضي على المسلمين سلمياً وأن