تفنن زعماء الإصلاح ومريدوه فيما يصلح شأن العثمانيين، ويرقى بهم إلى أوج العزة والسعادة. فمن قائل أن صلاحهم لا يكون إلا باقتفائهم أثر الأوروبيين، وتقليدهم إياهم في جميع أسباب تقدمهم، والعمل بأنظمتهم وقوانينهم ومجاراتهم بالعلوم الطبيعية والرياضية ومنافستهم بآلات الحرب والضرب ومضاهاتهم بالتجارة والزراعة والصناعة.
ومن قائل أن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، فهي لا يعوزها إلا التمسك بدينها والاهتداء بهديه، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله سبحانه. فإذا قدر لها ذلك فقد استغنت عن النظام السياسي والإداري فلديها من سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين رضوان الله تعالى عليهم ما إن تمسكت به دانت لها رقاب الأمم وذلك لعزتها الجبابرة والأكاسرة، واستغنت عن المدرعات والطرادات فعندها من القوى المعنوية ما يعدل تلك القوى الحسية ويفوقها، واكتفت بجزء يقوم بأودها من التجارة والزراعة والصناعة كما اكتفى به سلفها فهي لا رغبة لها في الملاذ الجسمية والشهوات الحيوانية بل غرضها من هذه الحياة عبادة ربها سبحانه والشغف بحضرته.
ومن قائل لا يصلح العثمانيين ذا ولا ذاك وصلاحهم بأمر غيرهما مستدلاً يؤيد مدعاه ويدعمه في زعمه.
وقد حضرنا مناظرة دارت بين فاضلين من رجال الإصلاح أحدهما يرى الرأي الأول والآخر يرى الراي الثاني فأحببنا أن نثبت ما دار بينهما بتصرف ثم نبين رأينا في الإصلاح خدمة للأمة، وقياماً بواجبها الخطير فنقول:
قال الذي يرى الرأي الأول: لا أرى خلاصاً لدولة الخلافة مما حاق بها من البلايا واكتنفها من الرزايا بالجري على سنن الأوروبيين، واقتفاء أثرهم فطريقهم أسلك الطرق، ومنهجهم أعدل المناهج فهاهم قد بلغوا مستوى العز والمجد وصارت لهم السيادة والسلطة على كافة سكان البسيطة.
قال الذي يرى الرأي الثاني: وكيف يكون ذلك؟
قال الأول: يكون أولاً بتنظيم قوانين سياسية وإدارية طبق قوانينهم. وثانياً بإنشاء مدارس للعلوم الطبيعية والرياضية على نحو مدارسهم وثالثاً بإعداد معدات للحرب تشاكل معداتهم من مدرعات وطرادات، وحصون وقلاع ومدافع وبنادق وطيارات ونظارات وغير ذلك من