لقد أجمع فطاحل العلماء وفحول الأدباء، على أن اللغة العربية. أفصح اللغات السامية. وأحكمها استعمالاً. وأوسعها مجالا. ً وقد كرت الأجيال وتنكرت الأحوال. فانطمست آثار واندرست أخبار. وطاحت دول. وبادت ملل. فاستسرت آياتها. وعفت نعاتها. وتلك اللغة تدور مع الأحقاب. في غلائل الآداب. وغلواء الشباب. لا يرهقها هرم. ولا يخلقها قدم. تجول بها أسلات الألسنة وأطراف اليراع. في صدور المحافل وبطون الرقاع. فتنظم فرائدها. وتعقل شواردها. قلا تشذ نادرة. ولا تندر بادرة. فكأنها وهي ابنة القرون الخالية. والأمم الماضية. نشأت في اليوم الحاضر. أو أمس الدابر. فجاءت دفعة واحدة مستوفية أقسام جمالها وصحة أبنية أسمائها وأفعالها لا يذهب كر العشي بطلاوتها ولا يعبث مر الغداة بحلاوتها وكان أبناءها طبعوا على الفصاحة. وفطروا على البلاغة. فلا ترتهنهم لكنة. ولا تتحيفهم عجمة. ولا يعترضهم عي ولا تقف بهم حبسة فالبدوي الذي يحوم في الهضبات كالعقبان ويعسل في الفلوات كالسيدان. ويكمن في الوديان كالغزلان. كذلك الحضري الذي يتقلب بين أعطاف الحضارة والعمران. ويتفيأ ظلال العلوم والعرفان. جزل الحصاة. جم الأدب لا تغض خشونة برديه. من عذوبة أصغريه على أن السر كل السر في ذلك تذوق أمراء العرب طعم الأدب. وإقبال الأفراد عليه. وانضواؤهم إليه. فتعهدوه بدرايتهم وحاطوه بعنايتهم. فأحيوا قرائح ذويه. وأرهفوا أقلام بنيه. والناس على دين ملوكهم. هذا هرم بن سنان حلف إلا يمدحه زهير إلا وصله ولا يسلم عليه إلا أعطاه وليده أو فرساً أو عبداً حتى استحيا زهير وكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحاً غير هرم وخيركم تركت. وكان النابغة يأكل في آنية الذهب والفضة من عطايا النعمان وجده لا يستعمل غير ذلك. ووفد الحارث على عمرو بن هند الملك أنشده معلقته المشهورة وكان بينه وبينه سبعة حجب فمازال يرفعها واحداً فواحداً لحسن ما يسمع من الشعر حتى لم يبق بينهما حجاب ثم أدناه وقربه. وكان بعض العرب يغتسلون لقصيدة المهلهل المعروفة بالداهية كلما أرادوا إنشادها. وقد كان هذا في زمن الفترة والناس همل فلما أشرق نور الإسلام ومد طاقه وضرب رواقه في مشارق الأرض ومغاربها أقبل الناس من كل صوب