على الدأب. في خدمة الأدب فأجزلوا لأهله العطايا وغمروهم بالهبات وطار القوم زرافات ووحدنا يتلمسون الكتب من ثنايا المكامن وزوايا الخزائن ويتوفرون سواد الليل وبياض النهار على الترجمة والتأليف حتى اكتظت أرجاؤهم بالمكاتب وغصت ديارهم بالمدارس. قال أسامه بن معقل كان السفاح راغباً في الخطب والرسائل يصطنع أهلها ويثيبهم فحفظت ألف رسالة وألف خطبة طلباً للحظوة عنده وكان المنصور يرغب في الأسمار والأخبار فما تركت بيتاً نادراً ولا شعراً فاخراً ولا نسيباً سائراً إلا حفظته وأعانني على ذلك الطلب الهمة في علو الحال عنده ولم أر شيئاً ادعى إلى تعلم الآداب من رغبة الملوك في أهلها وصلاتهم عليها. وقد صدق في قوله وأصاب في رأيه فالفضل في نهضة أمراء البيان يعود إلى أرباب السلطان الذين يذكرهم التاريخ فيشكرهم كلما نبض للعلوم عرق وخفق للمعارف برق. وقد بلغ من شغف الدول الأعجمية وافتتانهم باللغة العربية لعلهم أنها واسطة عقد المسلمين وعروة أنصالهم إن اتخذوها لساناً لهم وطرحوا ما عداها مثل دولة المصامدة (البربر) في المغربين الأقصى والأدنى. ودولة الجراكسة في مصر والشام. ودولة آل سلجوق التركية في العراق والجزيرة ودولة بين بويه الفارسية ودولة آل أيوب الكردية في مصر والشام والحجاز واليمن وغيرها. وكانت البلاد بأسرها تموج بالمترجمين عن اللغات الأجنبية كالفارسية والبهلوية والسنسكريتية والسريانية واليونانية فوسعت اللغة العربية علوم المتقدمين والمتأخرين وكانت مبعث هذه الحضارة ومنبت هذه المدينة ولم تغفل الأمة عن ذلك الواجب بل شاركت أمراءها وملوكها فبذلوا قصاراهم في البذل والسخاء على العلماء والشعراء فأحضر بنو شاكر النقلة والتراجمة وأجروا عليهم الأرزاق وتحداهم في ذلك إبراهيم بن موسى فاستخرج علوم اليونان إلى اللغة العربية وفعل مثله محمد بن عبد الملك الزيات حتى كان عطاؤه للنساخ ألفي دينار. وأقام الفتح بن خاقان خزانة كتب لم يكن أعظم منها وجعل داره مثابة فصحاء الأعراب وعلماء البصرة والكوفة. وأنشأ الحاكم بأمر الله الفاطمي دار الحكمة في مصر وجمع إليها الشعراء والمنجمين وأصحاب النحو واللغة وأباح الدخول إليها لسائر الناس ليقرأوا وينسخوا ما شاءوا وجعل فيها المحابر والدفاتر والأقلام وكانت خزانة الكتب في قصر العزيز بالله في مصر تحتوي على مليون وستمائة ألف مجلد بله أدوات الهندسة والفلك وكانت مكتبة الناصر في قرطبة تشتمل على أربعمائة