للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألف مجلد وكان في بيت الحكمة في بغداد مجالس للنسخ والدرس والتأليف وأفاض القضاة من آل عمار على العلماء والأدباء سجال نداهم وبحور جداهم. وكانت دارهم تحتوي على ثلاثة ملايين مجلداً في فنون مختلفة يأوى إليها مائة ناسخ تجري عليهم الأرزاق. وأغرب من هذا أن الحثالة التي بقيت من كتب بغداد بعد الحريق والغريق كانت مكتبة حافلة وقفها هولاكو التتري على نصير الدين الطوسي في مراغة. وقيل أن أبا غالب اللغوي القرطبي لما وضع كتابه في اللغة بعث إليه أبو الجيش مجاهد العامري ملك دانية ألف دينار وركوبة وكساء على أن يزيد في آخر كتابه (هذا ما ألف أبو غالب لأبي الجيش مجاهد) فرد الدنانير وأبى ذلك فلم يكن من مجاهد إلا أن ضاعف له العطاء وقال هو في حل من أن يذكرني فيه.

وأكل معاوية الضرير طعاماً مع الرشيد فلما قام ليغسل يديه تناول الرشيد الإبريق وصب عليهما الماء وقال له أتعلم من يصب الماء علي يديك قال لا قال أنا قال أنت يا أمير المؤمنين قال نعم إجلالاً للعلم.

وقيل إن الفراء مؤدب ولدي المأمون نهض مرة لبعض حوائجه فابتدر الأميران إلى نعله ليقدماها له فتنازعا أيهما يقدمها أولاً ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما واحدة فلما بلغ ذلك المأمون استدعى الفراء وقال له من اعز الناس قال لا أعرف أحداً أعز من أمير المؤمنين فقال المأمون بل من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى يرضى كل منهما أن يقدم فرداً.

اللهم غفرانك إن أمة يتفانى أمراؤها وأفرادها في إحياء العلوم وإجلال أهلها إلى هذا الحد لجديرة بأن تذل لها أعراق المجد وتعنو لها نواصي الرغائب وينبت فيها أدباء إذا أحس أحدهم من البيان بوجس دبيبه أو تهادى بين بعيده وقريبه أسمعك من ألفاظه نغمات الأوتار ونفحك من معانيه بنسمات الأسحار وصور لك على الطرس حقيقة النفس. فناجتك بأسرارها. وحدثتك بأخبارها فإذا الشوق تكاد تمسه يداك. وإذا الغيب تكاد تراه عيناك. هذا وشل من بحر وثمد من قطر كتبته تذكرة للعاقل. وتبصرة للغافل. لعلنا نرد على هذه اللغة نضرة شبابها ورونق آدابها وكم هتفت. ليت الشباب يعود.

المؤدي

<<  <  ج: ص:  >  >>