لا مراء ولا جدال في أنه لا بد لكل دولة من دين تتدين به ودولتنا العلية حرسها الله دولة إسلامية دينها دين الإسلام. والمسلمون الموجودون اليوم على وجه الكرة الرضية ثلاثمائة مليون يجمعهم دين الإسلام وكلمة التوحيد وهم وإن اختلفت مذاهبهم ومشاربهم وتناءت أقطارهم وبلادهم وتباينت لغادتهم وعاداتهم في الحقيقة أغصان دوحة واحدة ألا وهي (الدين) وبذلك نطق أجلًّ كتاب وأصدق قائل.
(إنما المؤمنون أخوة) وهم مرتبطون بإمام ينقادون له ويخضعون لأوامره كما يحكم عليهم بذلك كتابهم ودينهم وذلك الإمام يقوم بتنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وقهر المتغلبة وإقامة الجمع والأعياد وإصلاح ذات البين وغير ذلك مما يتعلق بالإمام الأعظم الذي هو خليفتهم إذاً فما بلهم متقهقرين وبطريق الفشل سائرين وعن سبل التقدم والرقي ناكبين؟ ما بالهم مع وفرة عددهم وكثرة عددهم بالنسبة لما كان عليه أسلافهم لا يتفقون وعلى ما فيه صلاحهم لا يجتمعون؟ لم لم يكونوا كما كان أسلافهم في صدر الإسلام فقد دوخوا الممالك وذللوا ملوكها وأسودها ومصروا الأمصار وقد سجلته لهم ذلك كتب التاريخ وسطرته أقلام العز والشرف على صفحات المجد والفخر.
حتى أن الرجل الواحد منهم كان يحارب المائة والمائتين ممن سواهم فيضعضع أركانهم ويزلزل أقدامهم ويهاجمهم مهاجمة الأس الغضنفر بصلابة دينه ورسوخ عقيدته الإيمانية يفعل ذلك لثقته أنه بين أمرين لا محالة إما أن يعيش سعيداً وإما أن يموت شهيداً. ومن غرائب حربهم ما وقع لهم مع جيش الفرس وجيش هرقل بالقادسية واليرموك وكان المسلمون وقتئذ بضعاً وثلاثين ألفاً في كل معسكر وجموع فارس مائة وعشرون ألفاً وجموع هرقل أربعمائة ألف فقاتلوهم بنيات صادقة وعزائم ماضية وصبروا على قتالهم صبر الكرام حتى هزموهم شر هزيمة وأورثهم الله أرضهم وديارهم وهي قصة مشهورة كادت تبلغ درجة التواتر وعاشوا يومئذ بالترفه والنعم وأصبحت دولة الإسلام أغنى دول الأرض وأرقاها وأنجحها وأعلمها وأعظمها وذكر بعض المؤرخين أن الأموال التي كانت تجبى في كل سنة إلى بيت مال المسلمين في أيام الرشيد سبعة آلاف قنطار وخمسمائة قنطار من الدنانير وذكر الثقات من مؤرخي الأندلس أن عبد الرحمن الناصر أحد ملوك الأندلس خلف في بيوت أمواله خمسة وأربعين ألف ألف دينار ووزنها خمسمائة ألف قنطار