أما جعل الطلاق بيد الرجل وحده فهو منتهى الحكمة. وغاية الرحمة للأمة. لأن الطلاق شرع للحاجة وكان أبغض المباح إلى الله تعالى كما أسلفنا تضييقاً لدائرته. فيجعله بيد الطرفين يتسع نطاقه وتضيع الحكمة والمرأة رقيقة الشعور. سريعة الانفعال. قاصرة العقل. كثيرة التقلب لا تكاد تثبت على حال. فلا يبعد لو كان الطلاق بيدها أن توقعه لأقل حادث. إطاعة لهواها ومجاراة لشهواتها.
ولأن الحالة الزوجية حالة اجتماعية. ولابد لكل مجتمع من رئيس يرجع إلى رأيه عند اختلاف الآراء وتشعب المقاصد. ولولا ذلك لأختل النظام. وفسدت المجتمعات. لعدم إمكان الاتفاق على جميع المصالح ولمات كان الرجل أحق بالرياسة. وأقدر على التنفيذ بقوته وماله. جعل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) وبموجبه نال الرياسة العامة ومن متمماتها جعل عقدة النكاح بيده يحلها متى شاء.
ومع ذلك فقد أجاز الشرع للمرأة أن تشترط في عقد قرانها أن يكون طلاقها بيدها. وحينئذ يمكنها متى رأت من الزوج نزوعاً إلى الأخلاق السافلة أن تعمل بمقتضى ما شرطت على تفصيل مذكور في كتب الفروع. ولا ينافي ذلك ما ذكر من حكمة كونه بيد الرجل وحده. فإن الرجل بهذه الصورة تنازل عن حقوقه.
وقد انتهينا إلى مسألة تعدد الزوجات
أباح الله جل ذكره تعدد الزوجات بآية [وأن خفتم إلا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا] فأنت ترى أن الإباحة مشروطة بعدم الخوف من الظلم. وذلك بأن يثق من نفسه بالعدل. ومتى كان عدم العدل متوقعاً سواء كان راجحاً أو مرجوحاً لزم الاكتفاء بواحدة. ومنه تعلم انه مباح مضيق فيه للمصلحة.
وقد يستدل قوم ممن يريدون تطبيق القرآن على مرادهم وشهواتهم كيداً للإسلام ومنتحليه بآية [فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة] على تحريم التعدد. قالوا ومن ذا الذي يمكنه أن لا يخاف عدم العدل مع ما تقرر من أن العدل غير مستطاع. وهل لا يخاف الإنسان من عدم القيام