الإنسان مقهور لعوامل الطبيعة بلا نزاع فإن كان حكيماً فيكون معها في حروب وقتال والسواد الأعظم في هذا التغالب مغلوب سنة الله في التكوين ولن تجد لسنة الله تبديلاً مهما هذبت النفوس وآويتها في حضانة الأخلاق الفاضلة بما تلقيه إليها من دروس العلم والحكمة فلابد لأن تنازعك يوماً ما بحكم عوامل فطرتها وربما صارعتك وتغلبت عليك باستدراجك إلى حيث تهلك (إن النفس لأمّارة بالسوء) اللهم ألا إذا أتاك برهان ربك فيحول بينك وبين مناها وتصبح من ذوي العزم والاستقامة وهذا لا يكون إلا لمن حزم رأيه وتشبث بأوامر الشرع الحكيم. والمرأة أضعف جانباً من الرجل في كل شيء فإذاً من الظلم أن يسيغ لها الاختلاط المغناطيسي الذي ينشدونه أضداد الحجاب ليتوسعوا في ضروب البهرجة بما بم يكن مشروعاً وبعد ذلك نطالبها بالعفة والشرف صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حليم وليس من صفاته وأخلاقه الجمود بما لم يكن محموداً والتقيد بقيد الحروف والألفاظ. إلا لكل لفظة منطوق ومفهوم وفي الأحكام رخصة وعزيمة هذا هو المعتبر شرعاً في كل زمان انظر كيف أجاز النطق بكلمة الكفر عند الإكراه مادام القلب مطمئناً بالإيمان وكيف حرم نكاح الأخوات بعد أن كان مباحاً في مبدأ العمران ومع هذه الاعتبارات نسير مع الذين ينكرون الحجاب في الإسلام القائلين بأنه افتراء المجتهدين ونوافقهم جدلاً في أن الحجاب ليس مشروعاً ومشروحاً في تصريح العبارة في كتاب الله تعالى ولكن من يستقري أخلاق العالم يعلم أنه واجب لا محالة إنسانية وأدباً. إذا أعرنا الشرع نظرة حقيقية وجدناه ناقماً على القائلين بالسفور وما لنا وهذا الخبط ونحن إذا نظرنا إلى أخلاق معظم المسلمين وما نزل بهم من التأخر في الأخلاق نجد أن ذلك ناشئ من عدم التمسك بأحكام الدين ولذلك أقول يجب أن يكون الحجاب للمرأة متعدداً لا حجاباً واحداً حيث لا يبصرها الرجال إلا ما أحلها له الشارع صلى الله عليه وسلم بطريق العقد الشرعي.
قلنا أن الدين بعيد عن الجمود ولو فرضنا أنه لم يشرع الحجاب فإن الزمان الغابر لم تكن الحرمات فيه منتهكة بل كانت السلطة الفردية فيه للعفة النقية والأخلاق الفاضلة وإكبار التشريع الإلهي والانقياد لأحكامه وتعاليمه فإذا كان كذلك بالأمس فلم يكن ثمة ما يسجل عليه الجمود لهذا الحد ولا يكون للخروج إلى ما تمس إليه الحاجة سبيل خصوصاً في زماننا هذا الذي ماتت فيه المروءة واستهين بالشرف والدين ولم يكن التفاخر إلا بالانصياع