وتعليق الدماميني مفارقة (كافة) للحاليبة على صحة الأثر مما جرى فيه على سنن التحقيق فإن المحرر في الأصول العالية لعلم العربية أن الكلمة إذا وردت في محل ولم يسمع استعمالها في غيره فإنما تطرد في الموضع الذي سمعت فيه ولا يقاس عليه غيره من المواضع ومن هذا تخصيصهم فل ولو مان ونومان بالنداء ونحو قط وعرض تختصان بالظرفية وبنى على هذا الشيخ ابن الحاجب أن لفظة كل إذا أضيفت إلى الضمير لم تستعمل في كلامهم إلا توكيداً أو مبتدأ فيمتنع جعلها مفعولاً به أو فاعلاً.
ثم قلنا ويندرج في التفقه في الدين تعلم ما يرجع إليه من أحكام وعقائد وأخلاق وإما إطلاق الفقه على معرفة الفروع خاصة فعرف حادث بعد نزول القرآن فلا يصح تفسير الآية به فإن القرآن أنزل بلسان عربي ليتمكن العرب من فهمه فينتفعوا بالعلم به في أنفسهم ويبلغوه إلى غيرهم من الأمم لعلهم يتذكرون وهذه الحكمة تستدعي أن يكون الكتاب جارياً في سائر استعمالاته على المعاني المألوفة لهم في موضوعات لسانهم وأساليب كلامهم وإذا ألقي إليهم قولاً مجملاً أو كلمة لم يسبق لهم علم بمدلولها لم يتمادوا على الجهل بها وتعلموا بيانها عن رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا لم تكن الكلمة معهودة الاستعمال في معنى وقت الوحي ولم يعينه صاحب الشريعة في بيانها امتنع حملها عليه وبهذا يظهر عدم صحة ما قاله بعض البيانيين في قوله تعالى:(لو كان فيهما آله الخ الآية) من أن استعمال لو في الاستدلال بامتناع الفساد على امتناع تعدد الآلهة وارد على قاعدة أهل المعقول والصحيح ما قاله الشيخ ابن الحاجب من أنه استعمال عربي فصيح كما لا يستقيم قول بعض الكاتبين على قوله تعالى: (وما علمناه الشعر) أن المراد الشعر الذي هو ا؛ د أقسام القياس وقد أنكر الشيخ ابن تيمية على من فهم التأويل في قوله تعالى:(وما يعلم تأويله) على معنى صرف اللفظ عن المعنى الراجح لدليل يقترن به لأنه معنى اصطلح عليه طوائف من المتأخرين ولم يكن معروفاً للسلف بهذا الوضع بل مسمى التأويل في لغة القرآن هو نفس المراد بالكلام من الأمور الموجودة في الخارج.
ثم قررنا تفاوت العلوم في الشرف واستطردنا أن الإقبال على العلم أفضل من الاشتغال بالعبادة لوجهين أن مصلحة العبادة خاصة ومصلحة التعليم عامة وما له مصلحة عامة أشرف مما له مصلحة خاصة ثانيهما أن في التعليم درء مفسدة وفي العبادة جلب مصلحة