للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلط الدين بالسياسة]

أو

العقد الاجتماعي للمسلمين

كتبنا غير مرة في هذا الموضوع ولا نزال في حاجة لأن نكتب فيه الآن. خلط السياسة بالدين في أوروبا يعد من أكبر الجرائم وأشد الإهانات للنظام، لأن للدين لديهم سقطات لا تغتفر بل هو لديهم الكابوس الذي ألم بمدنية الرومانيين فجمدها وضرب بأيديه وأرجله على جميع الأمم الآخذة به فطمس معالمها خمسة عشر قرناً متوالية ولم تتوصل لرفع كابوسه عنها إلا بجهد جهيد وجهاد شديد.

هذا جرم الدين في أوروبا وفي نظر جميع مقلديهم من الطوائف النصرانية الشرقية المتأدبة بأدبهم ولكن ما ذنب الإسلام في نظرنا حتى يعد خلطه بسياستنا جرماً نستحق عليه التأنيب من النصارى المستعمرين؟

جاء الإسلام وكنا متفرقين فجمعنا، متعادين فآخى بيننا، لا نعرف معنى المدنية فحدد لنا حدودها وبين لنا رسومها، لا نفقه حقيقة النظام فرسم لنا طريقه، وأبان معالمه، لا نحترم العدل ولا الحرية ولا المساواة فنهج لنا سبيلها وخط لنا خططها، أذلاء مسودين فجعلنا أعزَاء سائدين. تمسكنا به سنين معدودة فمد الله سلطاننا على الشرق والغرب وأدان لنا بسببه الأحمر والأبيض، وأصبحت لنا مملكة لا تدانيها مملكة في الأرض اليوم، وجعل الله لنا بسره أوابد المعارف وشوارد المعلومات، فأصبحنا أئمة العالم علماً وحكمة فسرى الناس في أنوار معارفنا، واستنوا بسنتنا، وعرف عنا أننا حفظنا خلافة الله في الأرض قروناً كنا فيها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتني عن المنكر وتؤمن بالله.

أرني أمة كالمسلمين في أيام عزهم سائدة في غير سعف، غالبة في غير تجبر، متدينة في غير علو، متحمسة في غير تجرم، متمدنة في غير طغيان، فاتحة في غير قهر.

ما الذي أذلنا بعد عز وأضعفنا بعد قوة، وأفقرنا بعد غنى، وجعلنا مسودين بعد أن كنا سادة؟ أليس هو تركنا الدين وتنكبنا عن طريقه القويم؟ الإسلام دين لا كما تعهدون من الأديان، الإسلام تعاليم اجتماعية، وقوانين نظامية، ونواميس حيوية نزل بها الروح الأمين على قلب أخلص بشر من العالمين ليكون به من المصلحين. فما ذنب الإسلام في نظرنا وهو كما

<<  <  ج: ص:  >  >>