مهما اتسع نطاق العلوم. وأينعت ثمارها. ونمت فروعها. وارتقت المدارك. وتسهلت أسباب المعارف والتحصيل. وتهيئت معدات الفهم فليس العلم بمغنى غنائه المطلوب ما لم يقل وجود الأدعياء والدخلاء فيه.
ويكتف كل إنسان بنوع العلم الذي عاناه. والفرع الذي يمت به، فلا يدعى الفقيه علم الهندسة، ولا الطبيب علم الكلام. ولا الشاعر علم الشرائع. ولا الكاتب علم الكتاب هذا جميل صدقي الزهاوي الشاعر المشهور. صاحب القصائد الرنانة. أراد أن يزج نفسه في غمار العلماء فخانته معارفه. لأن العلم غير الشعر، وأن الحقيقة غير الخيال كتب في عدد ١٧٠ من المؤيد الأسبوعي الأغر مقالة في المرأة تفنن فيها ما شاء وشاءت له قريحته الشعرية الخيالية. بأسلوب يخلب الألباب. وان كان لا يغير وجه الحقيقة، ولا يغني من الحق شيئاً. ظن أن العلوم كلها خيال كالشعر فاستسهل هذا المنهج. واستلين هذا المركب. فمتى تيسر له اللفظ الأنيق. والمعنى الرشيق. لم يبال وافق الحقيقة أو باينها فكتب. واستدل. وحكم. وبرهن ولكن ياللأسف مقدمات لا تلازم بينها. ونتائج غير لازمة. وقياسات غير منتجة. وأحكام لا تنطبق على علك ولا عقل. ولولا تناسب بين الألفاظ. وارتباط بين الجمل. وأسلوب عربي فصيح لقلنا أنه هذيان المحموم أو عربدة النشوان.
أن من إمارات ضعف الهمة. وخور العزيمة. أن ننظر إلى الغربيين نظر الرهبة والإجلال. حتى نتوهم أنهم من عالم فوق عالم البشر، فنستسلم لجميع أقوالهم. ونأخذ عنهم كل قضية نظرية. قضية مسلمة. ونرى جميع أعمالهم غاية في المدنية والحضارة. والأخلاق الفاضلة، مع أن الواقع المشاد أن منها الحسن، ومنها القبيح، ثم إذا أردنا الاقتباس منهم تركنا همتهم وأقدامهم ونشاطهم في سعيهم. ومحدثاتهم ومخترعاتهم. وعلومهم وعملهم، وجدهم وكدهم. وعمدنا إلى رذائل الأخلاق التي بات الغربيون أنفسهم يتذمرون منها، ويسعون السعي الحثيث لإبطالها، وتلافي ضررها فأخذناها على أنها مرقاة نصعد بها إلى أوج الترقي، وما هي إلا مهواة ننزل بها إلى حضيض الهوان، هذا حال الأمم الضعيفة بإزاء الأمم الراقية، تريد تقليدها فتقلدها بساسف الأمور، ورديء الأخلاق لاعتقادها في