البعث هو عبارة عن إحياء الله الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الأجزاء الأصلية التي هي الذرات المخرجة من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام المشار إليها بقوله تعالى:(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) والحشر هو عبارة عن سوق المخلوقات جميعاً إلى الموقف وهو الموضع الذي يقفون فيه لفصل القضاء بينهم ولا فرق في ذلك بين من يحاسب كالمكلف وبين غيره.
البعث والحشر من الأمور التي يجب اعتقادها لثبوتهما بالبراهين النقلية والعقلية التي تذعن لها العقول الصحيحة وتطمئن لذكراها البصائر النافذة فمن الأدلة النقلية قوله تعالى:(قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) وقوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وقوله عز شأنه: (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقد أخرج البخاري ومسلم عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال إنكم محشورون إلى الله إلى غير ذلك مما ورد في الشرع الأنور وأما الأدلة العقلية فسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
البعث والحشر أصلبان من أصول الديانة افسلامية بل التصديق بهما أساس كل دين وأقوم وسيلة لإحقاق الحق والوقوف عن الحد. مسألة المصير بعد الموت طالما كانت الشغل الشاغل لأساطين العلماء وكبار الفلاسفة والظاهر أن حب الحياة جعلهم يطلبونها بعد ذهابها حتى أضحى أول خاطر يخطر للمتفكر البصير الموقف بأنه إنما ورد هذه الحياة الدنيا ليتزود كمالاً يؤهله للعروج إلى عالم أرقى وأنفع وأوسع من هذا العالم الدنيوي والانتقال من دار ضيقة الساحات كثيرة الآفات خليقة بأن تسمى بيت الأكدار وقرارة الأحزان والآلام إلى دار وسيعة الساحات فسيحة الباحات لا فيها غول ولا تأثيم.
لذلك ترى أهل الملل كافة وجمهور المحققين من الفلاسفة متفقين على حقيقة المعاد وإن اختلفوا في كيفيته على ما سيتضح للقارئ إلا شرذمة من الطبيعيين الذين أعماهم الضلال وأرهقتهم الغواية واستزلهم شيطان الوهم فهوى بهم إلى أخس منزلة من منازل السخافة وزعموا أن لا حياة للإنسان بعد هذه الحياة وأنه لا يختلف عن النباتات الأرضية التي