تتفرق أجزاؤها فتدخل في تركيب آخر وهكذا يبقى بين التحليل والتركيب فتارة يكون جزءاً من إنسان وتارة ناباً من ثعبان وآونة ورقة من أغصان وغيرها ذنباً في حيوان وهلم جرا وذهبوا إلى أن العبد يستوفي في هذه الحياة حظوظه من الشهوات البهيمية وبهذا الزعم الفاسد والمذهب الباطل أطلقوا النفوس من قيد التأثم ودفعوها إلى أنواع العدوان وسهلوا لها الغدر والخيانة وحملوها على فعل كل خبيثة واقتراف كل رذيلة وأعرضوا بالعقول عن كسب الكمال البشري وأعدموها الرغبة في كشف الحقائق وتعرف أسرار الكائنات.
هذه الشرذمة الطاغية أنكرت الروح والملأ الأعلى والخلود والبعث والحشر والعقاب والثواب جهلاً وعناداً زاعمين أن ذلك كله من خيالات الأفكار القديمة وبقية من توهمات السالفين وليس في الوجود شيء غير المادة وقوتها الذاتية وأخذت تتبجح بطلب الأدلة الحسية لا العقلية حتى أنك لو أتيتهم بأعظم البراهين العقلية والدلائل القطعية والإقناعية لقالوا أن هو إلا تصوير خيالي أو فكر وهمي فبينما يموجون في دياجير الحيرة ويضطربون في غياهب الغواشي الوهمية إذا هم بآية عظمى ظلت أعناقهم لهم خاضعة وقارعة كبرى أضحت عقولهم أمامها حائرة وهي التنويم المغناطيسي ثم تلاه فن استحضار الأرواح وتجسدها المشهور (بالأسبيرنيزم) فكانت النتيجة انهزام تلك الشرذمة العائثة في الأرض فساداً انهزاماً لا يقوم لها بعده علم ولا يرفع لها صوت. قال فريد بك وجدي في كتابه كنز العلوم عند الكلام على مادة (آخرة) هي الحياة الآخرة التي وعد الله عباده بها والناس بإزاء العقيدة بها في أربع مراتب (أولها) رتبة أهل الله وخاصته وهؤلاء قد انكشف لهم الحال فرأوا بأعينهم ما لا يدركه غيرهم بعقولهم فاعتقدوا بالآخرة عقيدة عيانية حسية وهؤلاء هم الأنبياء والصديقون (ثانيها) رتبة أهل البصائر النافذة وأولئك يكفيهم مجرد النظر في ملك الله وملكوته وما أودع فيهما من أعلام بينة وأدلة ناطقة (ثالثها) رتبة الحسيين الذين لا يرضيهم من العقائد إلا ما يؤثر على حسهم ويدهش مشاعرهم.
أما الرتبتان الأوليان فقد هداهما الله بنوره ودلهم على الطريق بتوفيقه وهل بعد قوله تعالى:(من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها من أنشأها أول مرة) مطمع لمستزيد. أما الرتبة الثالثة فنحيلها إلى ما كتبناه تحت عنوان (أنبوتزم ومانيتيزم وإسبرتزم) فإن هذه المباحث من الأدلة المحسوسة على وجود الروح ما جدع أنف الإلحاد الأوروبي وبلغ مقتله وهناك