كنا نود أن لا نزيد على ما نشرناه من قبل في الأجزاء ٣ و ٤ و ٥ و ٦ بأقلام علماء الدين، وأفاضل المحققين لولا أن سبق منا في الجزء ٢ ص ٧٠ وعد اضطرنا الوفاء به إلى كتابة ما يأتي، ونحن على علم بأن جميع ما كتب في هذا الموضوع على نضجه ومتانة أدلته، وتوافق علماء الشريعة عليه قد لا يجدي بعض المتعنتين من عشاق التمثيل الذين يظهر لهم الحق بأجلى مظاهره فيعرضون عنه. ويلوون رؤوسهم دون اتباعه ذلك لما نشئوا عليه من حب التفرنج والجهل بالدين، والميل إلى كل جديد، وإن أضر بالأدب وقضى على الشرف والأخلاق، ولولا هذه البدعة المنكرة التمثيل بين العامة وميلهم إليها بعد أن كانوا ينفرون منها ويبتذلونها أيام كانت خاصة في أمكنة الفسوق، ومحال اللهو والخلاعة لكان الأجدر بنا إرتاج باب هذا الموضوع وعدم الخوض فيه. ولكن دعت الحاجة إلى الكتابة فيه لما انتقل إلى بيوت العلم المدارس وأخذ أنصاره يغررون بالعامة ويوهمونهم أنه من مثقفات العقول، ومهذبات الأخلاق. التمثيل المبحوث عنه هو عبارة عن تشبيه أشخاص بآخرين بالحركات والهيئات والأقوال والأفعال والألبسة والأزياء والكنى والأسماء والرتب والوظائف والأوصاف فيشمل ذلك المسلم والكافر والذكر والأنثى بالصدق والكذب، والقصد الحسن والسيء. التمثيل إذا اشتمل على لعن أو سباب أو منابزة أو سخرية أو تبختر أو عتو أو تكسر أو تلو أو تخنث بالحركة أو الصوت أو إسراف في الأموال أو تضييع لبعض الصلوات أو هيئة الشربة أو الظلمة أو مرد لا يؤمن من النظر إليهم أو نساء مطلقاً أو تشبه بهن أو آلات طرب محرمة أو لبس لزنار أو قبعة الكفرة أو ركوع أو سجود أو إشهار سيف على مسلم أو تهديده به أو لبس نحو حرير أو إضرار بأحد معين. فلا خلاف حتى عند القائلين بجواز الأدبي منه في منعه والقول بوجوب إزالته على كل قادر لوجود المنكرات المتقدمة كلها أو بعضها فيه مما هو ظاهر المخالفة للشرع وتعاليمه.
نعم إنما الخلاف بين علماء الدين وبين مخالفيهم من أنصار التمثيل فيما إذا تجرد من جميع ذلك وهو ما يسمونه التمثيل الأدبي بزعمهم وليت شعري هل يتصور عاقل خلو التمثيل عن المنكرات وهو هو الأمر البدعي الذي لا يحكم بجودته إلا إذا امتلأ غيبة وكذباً ومنكرات ومفاسد وبولغ فيه بمدح أو قدح من لا يعرف من أمره غير ما يتقوله عليه مخترعوا الروايات وبعض المؤرخين.