إن البراهين التي تؤيد بها الباحثون أبحاثهم ويثبت بها العلماء حججهم كثيرة جداً وأعلاها وأقومها بالاتفاق المشاهدة. فهل شوهد أن تمثيلاً خلال عن منكرات حظرها الشرع، وحكم بفسادها العقل السليم؟ سؤال نطلب الجواب عليه من أنصار التمثيل وحماته، بل من كل من شاهد تمثيلاً في حياته، يكفينا أيها الناس ماحل بنا من التقاليد الأوروبية ألم يقنعكم أن تفرنج الناس في الألبسة والأطعمة والكلام والقيام والمسكن والمنزل والتجارة والتربية والأخلاق والعادات واللغات حتى جئتم اليوم تحببون إليهم هذه البدعة المنكرة التمثيل لتقضوا بذلك على ما بقي بأيديهم من النذر اليسير من الأخلاق والعادات. إن كان قصدكم بهذا إصلاح الأمة فاعلموا أن الأمة لا تصلح بتقليد الإفرنجة واتباع عاداتهم إذ فرق بين إلحادي وديني ومتشرع ودهري. ولا صلاح لمن يعتقد أن وراء هذه الحياة حياة أبدية باقية إلا باتباع دينه والوقوف أمام حدوده وليس للغربيين أخلاق وعادات يجب أن نحسدهم عليها ونوافقهم على الأخذ بها. وفيما جاء به الشرع والدين هداية وكفاية للمستبصرين. على أنا لو سلمنا بخلو التمثيل عما تقدم من المنكرات السالفة هل يتصور خلوه عن الغيبة والكذب وتغيير الخلق؟.
يقول أنصار التمثيل نعم فيما إذا كان أدبياً محضاً لا يقصد منه غير تهذيب الأخلاق وتنمية العقول وما يحصل فيه من الكذب والغيبة مغتفر للحاجة ونحن نقول في الجواب أن هذا قول من لم يضرب بالعلم بسهم ولم يأخذ منه بنصيب. ويشبه أن يكون قول متعنت غلب عليه حب البدعة، وخامر عقله الانتصار للشهوة. ذلك لأن الغيبة والكذب من الكبائر الحرمة التي جاء نص الكتاب المجيد بتحريمها أبدياً، وتوافق على ذلك المسلمون خلفاً عن سلف فلا يباحان لمطلق أمر، ولا يحلان لشبهة حاجة، ولذا قال العلماء رضي الله عنهم المرخص في ذكر مساوئ الغير لا بد وأن يكون غرضاً صحيحاً في الشرع لا يمكن التوصل إليه إلا به. فهل لا يمكن التوصل لما يقصده أنصار التمثيل من (الإصلاح) إلا به؟ سؤال يجب على كل ذي نصفة تدبيره وتأمله ثم الجواب عنه بما يوحيه إليه الحق وصفاء القلب الخالي عن شوائب التعنت والإغراض: اللهم إنك تشهد أن زمن الجاهلية زمن المؤُودة زمن السلب والنهب كان مجمع الشر والفساد وأن رسولك محمداً صلى الله عليه وسلم تمكن من هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور وجعلهم أرقى أمم