الأرض حضارة ومدنية وأدباً وأخلاقاً وتقدماً ورقياً بغير تمثيل رواية ولا تشخيص كوميدة (تياترو) وتشهد أن خليفته الأول سيدنا أبا بكر رضي الله عنه سار بالناس سيرة حسنة وشيد لهذا الدين صرحاً لا تزعزعه الأيام من غير أن يشخص رضي الله عنه رواية أو ينزل في مسرح من مسارحها وأن خليفته عمر ومن بعده من الصحابة رضي الله عنهم نهجوا هذا المنهج السديد واقتفوا هذا الأثر الحميد من غير تشخيص روايات ولا تمثيل حكايات وأن من بعدهم من أمراء المؤمنين والملوك العادلين والعلماء العارفين عمروا الأرض وفتحوا البلاد ولم ينصبوا مسرحاً ولم يمثلوا رواية مع أنه كان موجوداً مخترعاً حتى قبل زمنهم بكذا كذا مئات السنين. وإذا ثبت أنه يمكن التوصل إلى إصلاح الأمة بغير التمثيل فيجب منعه ويتحتم القول بتركه وما يقال كما سبق من أنه يمكن أن يوجد تمثيل بلا غيبة ولا كذب مردود بأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء في نسبه أو بدنه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه وسواء التصريح بذلك باللسان أو التعريض به بالإشارة أو الإيماء أو الغمز أو اللمز أو الكتابة أو الحركة أو كل ما يفهم المقصود. وسواء غيبة الميت والحي والواحد والجماعة المذكورين بأوصافهم وأسمائهم وأزمنتهم وأمكنتهم وعلى هذا لا يخلو الممثل من أن يكون حياً أو ميتاً واحداً معلوماً أو جماعة موصوفين بما تقدم وغيبة الكل محرمة يجب اجتنابها فالتمثيل المؤدي إليها يجب اجتنابه. ودعوى أن ذلك يعد غيبة حيث ذكر الممثلون بما فيهم الغير نقصانهم بخلاف ما إذا ذكروا على وجه يفصح عن مدحهم ليقتدي بهم غيرهم وذكر طائفة من الحريين بما لهم من القبائح السيئة والأعمال الفادحة لتجتنب فلا يعد ذلك غيبة مردودة بأن الأحكام الشرعية عامة وليست إلى ذاته تطلب أن يكون ذلك عاماً وحكم به على جميع الناس. إن كراهة الإنسان تمثيل هيئته وحركته ولباسه وكلامه وأمره ونهيه وعمله كله أمر ظاهر ما نظن أن له منكراً اللهم إلا إذا كان من أنصار التمثيل وأشياعه. بقى ما إذا كان الممثلون غربيين فقط فيمتنع التمثيل والتشبه بهم أيضاً من حيث الكذب إذ أن الممثل يدعي أن اسمه نلسن أو بلوشر وأنه قام قومته، وفعل فعلته، و. و. و. الخ وذلك كله كما لا يخفى كذب صراح، والكذب كما يكون بالقول يكون أيضاً بالفعل، وليس هذا من الكذب المباح فقد نص العلماء رضي الله عنهم على أن الكذب لا يباح إلا لضرورة داعية بحيث لو صدق لتولد عنه محذور وينبغي حينئذ