أن يقابل أحدهما بالآخر ويزن بالميزان القسط فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعاً في الشرع من الكذب فله الكذب. وإن كان ذلك المقصود هو مقصود الصدق فيجب الصدق قالوا رضي الله عنهم. وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى لأن الكذب يباح لضرورة دعت أو حاجة مهمة آلمت فإن شك في كون الحاجة مهمة فالأصل التحريم فيرجع إليه. قالوا ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ويتطرق إلى ذلك غرور كبير فإنه قد يكون الباعث له حظه وغرضه الذي هو مستغن عنه وإنما يتعلل ظاهراً بالإصلاح فلهذا يكتب عليه. وكل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ليعلم أن المقصود الذي كذب لأجله هل هو أهم في الشرع من الصدق أم لا وذلك غامض جداً والحزم تركه إلا أن يصير واجباً بحيث لا يجوز تركه كما إذا كان الصدق يؤدي إلى سفك دم أو ارتكاب معصية كبيرة يتسبب منها الانحلال عن ربقة الدين. والحاصل أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح. فهل التمثيل من هذا القبيل؟ وهل لا يمكن التوصل إلى تهذيب الأخلاق إلا به؟ اللهم علمنا ما ينفعنا، وباعد بيننا وبين شهواتنا. ربما يقول بعضهم ما هو الفرق بين كذب مقامات الحريري وبين الكذب في التمثيل وبين الغيبة فيه والغيبة في كتب التاريخ ولم حرمتم ذلك في التمثيل دون المقامات وكتب التاريخ. والجواب عن ذلك أن قياس التمثيل على مقامات الحريري قياس مع الفارق إذ أن كذب ما في المقامات على خلاف فيه بين العلماء كذب قولي مجرد بخلاف كذب التمثيل فإنه اقترن فيه تشبيه وأعمال وهيئات وحركات وأيضاً كذب ما في المقامات مضى عليه أكثر من ٧٠٠ سنة ولم ينشأ عنه مفسدة أو مضرة لا في الدين ولا في الآداب بخلاف كذب التمثيل فإنه نشأ عنه مفاسد ومضار أودت بخراب كثير من بيوتات الشرف والمجد. ويكفي أن الشاب والشابة في بعض البلدان إذا أرادا الاقتران لا يجدان مجمعاً غير مسارح التمثيل. وأيضاً ما في المقامات أقره كثير من علماء الدين وأنى لنا بأمثالهم اليوم وقد وردت فتاوي العلماء من كل صوب وحدب في منع التمثيل. وكون الغيبة التي جاء نص الكتاب العزيز بتحريمها وأجمع على ذلك المسلمون حلالاً المؤرخين مما لم يسمع نظيره ولا يصح. وما الموجب لاستثناء