كتب العلامة الاجتماعي فريد بك وجدي تحت هذا العنوان ما يأتي:
الخوف عند الصوفية كما قال القشيري في رسالته: والخوف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه الله تعالى إما في الدنيا وإما في الآخرة وقد فرض الله سبحانه وتعالى على عباده أن يخافوه فقال تعالى: (وخافون إن كنتم مؤمنين) وقال تعالى (وإياي فارهبون) ومدح المؤمنين بالخوف فقال تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم).
نقول نحن تشدق بعض علماء العصر في أوروبا على مسألة الخوف وزعموا أن الإنسان لا يجب أن يساس به وإنما يساس بما يناسب مكانته في العلم والعواطف ولو تأمل هؤلاء الفلاسفة في حقيقة العوامل التي تقود الإنسان نحو الترقي بجميع أشكاله لرأوها كلها باعثها الخوف وإلا ما الذي يقيم الحكومات ويقعدها وفي مقدمتها الفلاسفة والعلماء عند
هموم الأمراض المعدية ويبعثهم جميعاً لتفتيش بيوت العامة وإخراج أقذارها أليس الخوف من الموت؟ ما الذي يجعل العلماء يصلون الليل بالنهار في اختراع العلاجات واكتشاف أسباب الأمراض أليس الخوف من الموت؟ ما الذي يجعل الناس أجمعين يتكلبون على جمع المال حتى أن أكثرهم جنواً به جنوناً. أليس الخوف من ألم الفاقة والإملاق؟
إذا كان هذا كله صحيحاً فأي هضيمة على الإنسان أن يعلم أنه لو لم يعمل في دنياه صالحاً عوقب على ذلك في حياته المستقبلة بحرمانه من مقتضيات تلك الأعمال ولوازمها وعذب بما يناسب عصيانه واستكباره في الدار الدنيا أليس هذا بمنزلة مواد القوانين الوضعية التي تفرض على الرعايا حفظ النظام والقيام على سنة العدل وإلا فالغرامة المالية والحبس أو الأشغال الشاقة والإعدام؟ ما الذي يردع الناس عن أكل بعضهم البعض غير الخوف من سطوة القوانين؟ وإذا كان الخوف من العقاب هذا أثره في عالم الدنيا وفي مقدمة من يخاف القوانين العلماء أفلا يكون الأجدر بهذه السلطة رب الأرباب وخالق الأسباب وعالم الخفيات.