التياترو بالمعنى المعروف لنا الآن كان معروفاً عند قدماء اليونايين والرومانيين ثم جاء حكم الكهان في أوربا حرمت الكنيسة فن التمثيل فلبث هذا الفن خمسة عشر قرناً في غيابة العدم ثم حيي في فرنسا في عهد لويز الثالث عشر (١٦١٠ ١٦٤٣) م وعمّ جميع أوربا في زمن قصير ولم يزل يترقى فيها حتى وصل إلى حالته العصرية المعهودة.
من المشهور الآن على السنة الخاصة والعامة أن التمثيل فن جميل يرقي العواطف ويربي الملكات ويحيي عوامل الشعور في الذات ويأخذ بزمام الأمم إلى الكمالات الخ الخ وهو في هذه الجمل إنما يرددون نغمة أوروبية وغفلوا عن أن اختلاف البلدين في العادات والاعتقادات والأميال يجعل بين عوامل رقيهم وعوامل رقينا خلافاً جوهرياً ذريعاً أولئك أقوام عندهم تكشف النساء عادة متبعة والغرام باعث من بواعث الترقي وخطبة الرجال للنساء على مراسح التمثيل أو في بهرة التياترو طريقة الأكثرين من شبانهم وقد أدتهم مدنيتهم المادية وعلومهم الإلحادية ولا سيما في مقدمة القرن الماضي إلى اعتقاد أن لا موجود إلا المادة وأن ليس للإنسان إلا ما ينتهبه انتهاباً من سرور في هذا العالم القصير الأمد. ونحن أمة نعتقد أن لنا دينا وأنه ناموس السعادتين وأن لنا حياة أخرى لنا فيها ثواب على الحسنة وعقاب على السيئة وأن الواحد منا إن لم يتزود من هذا العالم بكمال يعرج به إلى عالم التقديس هبط به قذره إلى عوالم التدنيس ومداحض إبليس وأن كمال أحدنا في أن يملك هواه ويحكم على عواطفه لا انقطاعاً عن اللذة وهرباً من التنعم ولكن طالباً لنعيم الروح في عالم الكمال الأعلى واغتناماً للذة القلب في مجال الجمال الأجلى. أما ما تطالبه به حواسه من نظر للحسان ومغازلة للغزلان وافتضاض لأبكار الدنان فيجزيء أحدنا منها أن تكون من حلال دون حرام وبمباح دون احترام.
إذا أجدت بين مرامينا ومراميهم وعقائدنا في الحياة وعقائدهم فهل تظن أن ما ينفعهم أو أن ما يكونهم لا يعدو على كياننا.
إن تقل كيف تختلف نواميس الترقي بين أمتين قلنا ما قاله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) فإنَّ هنالك نواميس اجتماعية عالية ونواميس سافلة ولا ينكر علينا أحد أن النواميس التي رقت العرب الأولين إلى الأوج الأعلى وبلغت بهم من الرفعة المكان الأسمى كانت أرقى من النواميس التي رقت الرومانيين واليونايين بما لا يقدر وإنما مدار الأمر على وجود