عقدت هدنة بيننا وبين البلغار لعشرة أيام فأصبحنا لا نترقب حصول شيء من المصادمات قبل انقضائها.
ثم قبلنا تفويض الأمر للدول العظمى في شرائط الصلح بلا قيد ولا تعليق. ولا نكتم القراء أن الرأي العام قد يجوز أن يكون دهش من قبولنا التفويض على هذه الصورة لكن آفتنا القلبية هي الثقة بما يقوله سفراء الدول الأجنبية وما تعدنا به شفوياً.
ولقد يظهر أن بعض السفراء قد أعرب عن حسن نية الوسطاء وزين لرجالنا أن عدم التشدد وإظهار التسامح قد يمكن الدول من الضغط على حكومات البلقان وأن الدول المتوسطة لا تحيد قيد شعرة عما قررته في بدء الأمر من أنها لا تقر بإلزامنا بشيء من الغرامات الحربية ولا تقبل من حكومات البلقان كلاماً في شأنها. وبذلك اطمأنت نفوس رجالنا وأقدموا على تقرير قبول التفويض للدول دون شرط ولا قيد ولكن ماذا عملت الدول بعد ذلك؟ لقد رأيناها تخوض ثانية في أمر الغرامة الحربية وبعد التردد بين الإقدام والإحجام أعلن مجلس سفرائها أن البحث في مسألة الغرامة الحربية سيكون من مباحث المؤتمر المالي الذي سيعقد في باريس.
ولقد أثارت هذه الحيلة غضب الكتاب هنا وأضرمت نيران غيظهم حتى لقد اعتبرت الجرائد الاتحادية تلك الحيلة نقضاً للعهد الذي أعطته إيانا الدول وخرقاً للاتفاق الشفوي والقرار الذي أصدره أول الأمر مجلس السفراء. ولكن هل المسؤول عن نتائج ذلك العمل المستحق اللوم هو الدول الأوروبية التي لا ترضى عنا ما دمنا مسلمين؟ لو أن هذا الحادث كان أول ما أتوه من ضروب الحيل ونقض الوعود لهونا على أنفسنا الأمر وقلنا لعله درس يفيدنا تذكره في المستقبل ولكنه حلقة من سلسلة حوادث لا يعلم إلا الله متى تكون آخر حلقة منها.
إن غفلتنا عن تحصين طرابلس وحمايتها من الغارات الخارجية كانت نتيجة ثقتنا بما قاله أحد السفراء من أنه لا خوف على طرابلس من إيطاليا. وصرف جيوشنا عن أرباض ومعاقل ألبانيا ومقدونيا كان نتيجة تأكيد بعض السفراء في الأستانة وتأمينه إيانا أن لا خوف من أحد على تلك البقاع. وإسرافنا في التباطؤ عن مقاومة الأعداء وأخذ العدة الكافية للصدمة الأولى كانت نتيجة تلغرافات الدول الأوروبية للحكومات البلقانية الناطقة بأن