لما كان من الحقائق المؤيدة بالشواهد والقضايا المسلمة لدى ذوي الفكر الثاقب والنظر الدقيق أن من ترأس قوماً وتولى إدارة شؤونهم وزمام سياستهم وهو لا ينفك عن مخالطتهم ومعاشرتهم يوماً من الأيام يجب عليه أن يتوخى الأسباب التامة لاستجلاب قلوبهم ويستعمل الوسائل اللازمة لاستمالة نفوسهم وينهج المناهج التي ينهجونها ويرد المشارب التي ينهلونها ويميلون إليها بحيث لا يمس بذلك شرفه ودينه ليكون محبوباً مصاناً مكرماً عند الجميع ومعززاً مهاباً عند الرفيع والوضيع.
كان من اللازم اللازب على من بيدهم زمام الحل والعقد من حكامنا كرؤساء الدوائر وقواد الجيوش ومن لهم الإمرة عليهم وعلى أرباب الصحافة الذين هم لسان حال الأمة أن يكونوا عنوان العدل ونبراس الهدى وعلم السعادة ونموذج الفضيلة يهجرون الخمرة التي يتجاذبون أقداحها باسم المدنية كما هجرتها عقلاء أوروبا ويكفون عن الزنا واللواط والجلوس في نوادي السفاهة والسفالة والتردد إلى المواخير ومراسح اللهو والعار والشنار باسم الحرية ويرجعون إلى دينهم فيتخلقون بأخلاقه الشريفة وآدابه المنيفة وينبذون الأخلاق البذيئة الساقطة ويعتاضون عن تلك المراسح بالمساجد ويتعشقون الصلوات الخمس ويدأبون على الطاعات (سياسة وديناً).
أما سياسة فلحوزهم على إرضاء الأمة واستجلاب قلوبها وأما ديناً فلنيلهم رضاء الله تعالى ومن البديهيات أن الأمة متى رأت مأموراً محافظاً على دينه متمسكاً بالشرع الشريف متظاهراً بمكارم الأخلاق فإنها تحبه وتتودد إليه وتمدحه وتثني عليه حتى أنها تنخدع له وتضع ثقتها به وإن كان مرائياً مداهناً.
بل تخضع له وتنقاد لجميع ما يأمر به وينهى عنه ولو كان مؤدياً لهلاكها وخراب ديارها والعكس بالعكس فإنها تنفر من المارق من الدين والمتنصل من الأخلاق الشريفة وتمقته وتنظر إليه بعين التحقير والازدراء وتسلقه بالسنة حداد فتمزق عرضه وتلوث شرفه حتى أنه ليكون كالقذى في أعينها.